Quantcast
Channel: Arabi
Viewing all 6875 articles
Browse latest View live

فساتين الرقص الشرقي.. رقصة منسيّة في الدولاب

$
0
0
الخميس، كان موعد مريم مع المفاجأة التي أعدّتها صديقاتها؛ احتفالًا بعيد ميلادها الحادي والعشرين، ها هي قد أتمّت سنّ الرشد، كانت قد استخرجت هويّتها الخاصّة منذ أربع سنوات، لكن أسرتها لم تقتنع بعد، أن الفتاة الصغيرة ذات الضفائر قد أضحت على عتبات العقد الثالث من عمرها، تُرى ماذا ستهدي لها صديقاتها؟ أدوات تجميل، أم فستانًا جديدا، أم لعبة كما يفعل والدها كل عام، كل أفكارها حول هدايا صديقاتها لم تسعفها لتوقّع المفاجأة التى أعدّها رفقاء سيرها في شوارع القاهرة، والوقوف مطولًا أمام متاجر بدلات الرقص.

بدلة رقص مكوّنة من قطعتين، مطرّزة الصدر، مشرشبة الجوانب، زهرية اللون، هكذا كانت تخبرهم عن تفضيلاتها، حينما تلمع عيناها أمام الألوان "أنا بحب اللون الأزرق وأنا برقص بحس إني زي الحوريات"، فرحت مريم بهديّة الصديقات، اللواتي أخبرتهن أن أمنيات سن الرشد أضحت قابلة للتحقّق الآن، لكن ما هي إلا ساعات قليلة بعد وصولها للمنزل ورؤية العائلة للبدلة حتى انهارت أمنيتها: "بابا قطعهالي وقاللي ناقص كمان تروحي ترقصي بيها في الكباريهات.. لما تتجوّزي ابقي إلبسي اللي انتي عاوزاه".

كما السفر، والمبيت لدى الأصدقاء، والذهاب إلى الأقارب بمفردها، صارت بدلة الرقص من المحرّمات في حياة مريم حتى تتزوّج، نصف الدين الذي ستكتمل به حياتها، أضحى حدوثه هو أمنيتها الوحيدة: "كنت فاكرة إني لما هتجوز حياتي هتتغير وهسافر واتفسح واشتري بدلة رقص..وياريتني ما اشتريتها".

تتذكّر المرأة التي صارت على أعتاب الأربعين، "أوّل مرّة قرّرت أرقص لجوزي في شهر العسل فاجأني أنه ما بيحبش الرقص، وإنه مش شايف الرقص حاجة مهمّة للست"، حالة الإحباط التى أصابت مريم في شهر العسل، دفعت البدلة الزرقاء إلى الدولاب لأكثر من عشر سنوات، حتى تذكّرتها ذات ليلة، وقرّرت أن تعيد الكرّة لكن هذه المرّة لنفسها فقط وأمام مرآتها على أنغام الست "غلبت أصالح في روحي".

الرقص، ذلك الخروج عن دائرة الجسد، للتحليق في ملكوت الروح، لا تعرف الفتيات في مصر الرقص الشرقي كمثير جنسى، كما تصوّره خيالات الرجل الشرقى عمومًا، والمصري خصوصًا، بل هو تخليص من مثقلات الروح، وتفان في عالم التجلي، يُصبح في أحيان كثيرة بديلًا عن البكاء والصراخ، لجوء النساء والفتيات إليه في تجمعاتهن دليل على الحريّة وغياب السلطات والقوانين الأسرية، والمجتمعية.

في "دولاب" الكثيرات منهن مكان مخصّص لرقصة منسية، يتذكّرنها حين الفرح، وفي حالات الحزن، تتحوّل كل ملابسهن لبدلة رقص، كما تحكي إيناس، الفتاة التي فاتها قطار الزواج، لكن لم تفتها البدلة "أمي بتجهزني من وأنا في الثالثة أعدادي، دولابي اتملا قمصان نوم وهدوم وملايات ومفارش ومحدش جابلي بدلة رقص، لكن أنا جبتها لما تميت الـ 30 وما اتجوزتش وبهيص بيها أنا واصحاب] وساعات لوحدي"، كبديل عن الاكتئاب والحسرة على ضياع العمر، اختارت إيناس أن يكون متنفّسها هو الرقص: "أنا من يوم ما اشتريت البدلة وأنا تقريبًا مفيش أسبوع بيمرّ غير لما ألبسها وافرّح نفسي بيها".

في القاهرة الفاطمية، وعلى مقربة من الجامع الأزهر ومسجد الإمام الحسين، تزدهر تجارة بدلات الرقص الشرقي، تنتشر المحال الصغيرة التي تعلّق أزياء الرقص مختلفة الأنواع والأشكال والأحجام، يعرف الجميع تلك المحال الصغيرة، التى تُبهر المارّة، سواء كانوا من السيّاح أم من أهل المدينة العاشق أهلها للرقص.


في فترة ما من التاريخ القريب؛ هُدّدت تلك المحال بالغلق بتهمة نشر الفسق والفجور، غاب المهدّدون وبقي الرقص، وارتفع ثمن البدلة للمحترفين من 500 جنيه إلى خمسة آلاف جنيه، أما بدلات الهواة من الفتيات المقبلات على الزواج، أو هؤلاء الأخريات المقبلات على الحياة، فيتراوح ثمنها بين الخمسين جنيهًا، ونحو الألف جنيه؛ بحسب الشكل والموديل المطلوب، سواء كان عصريًا "معجرما"، أم قديمًا يحاكي بدلات الكاريوكا.

أمام مئات الأثواب من التلّ الملون، والشيفون المطرّز، والساتان الناعم، يجلس الحاج فؤاد، يصرّ دائمًا على لقبه "الحاج"، رغم عمله في حياكة بدلات الرقص منذ ثلاثين عامًا، حج فيهم إلى بيت الله الحرام ثلاث مرّات، واعتمر خمسًا، وصنع المئات من أزياء الرقص الشرقي التي تجوب العالم من الولايات المتحدة إلى كندا والبرازيل، وألمانيا، وكذلك لبنان وتركيا وحتى أستراليا.

يتعامل الرجل الستيني بحرص شديد على الأقمشة الزاهية التى يصنع منها أزياءه فى تلك الورشة التي تطل على مسجد الإمام الحسين، يرتفع أذان المغرب، فيترك الحاج فؤاد "الترتر" الملوّن، وأما أكوام خرج النجف المستخدمة في التطريز، فيضعها جانبا بعناية، ثم يمسك مسبحته ويذهب للوضوء، يؤدّي الصلاة ويعاود العمل بعد تسع وتسعين تسبيحة.

البدلة التي يحيكها الحاج فؤاد اليوم، مصمّمة خصيصًا لراقصة متفرّدة، لا يصنع منها سوى واحدة فقط بالشكل واللون والتطريز نفسه، لهذا فثمنها يرتفع عمّا سواها من البدلات لغيرها من الراقصات: "دي بدلة أهمّ رقّاصة في مصر بس مقدرش أقول اسمها"، أسرار الزبائن لا تخرج من شفاه الحاج الستيني، فقد علّمته آداب المهنة أن "الراقصة تتعرف من بدلتها"، يوضّح الحاج فؤاد فارقًا بين زيّ الراقصة المحترفة، وبين زي الرقص الذي تقبل عليه الفتيات في مصر "بدلة الرقص زي المية والهوا للبنات، ودلوقتي بنعمل منها مقاسات للأطفال ..لكن بدلة الرقّاصة المحترفة بتعتمد على الإثارة أكثر..أما البنات بنعملهم بدل ترقصهم حتى لو غطوا جسمهم كله".

الجلابية البلدي وجلابية "نانسي"، هي أكثر الأشكال مبيعًا للسيدات المصريات، كما يتحدّث الحاج فؤاد: "أصل الستّ من دول بتتكسف، واتعودوا أن الرقص حاجة عيب فبيغطوا نفسهم بالجلاليب"، يحكي خبير صناعة بدلات الرقص عن إقبال النساء على البدلة الشرقية من جميع الأعمار: "في ستات بتيجي تشتري بدلة لبنتها في جهازها ألاقيها عينيها متشعلقة على البدل، وروحها بتهفهف مع كل بدلة بنتها تقيسها وهي ماشية ادتلها بدلة هدية تناسب جسمها فرحت بيها أكتر من بنتها"، تعامل الحاج فؤاد مع النساء جعله قادرًا على تتبّع أحلامهن كمعرفته لأذواقهنّ تمامًا: "الرقص للأسف الرجالة في مصر مش بيقدّروه صح، ورغم أنهم بيحبّوا يشوفوا الرقّاصات، لكن ستاتهم وبناتهم خط أحمر، ونادرًا لما تلاقي رجل دلوقتي بيهتم برقص مراته زي زمان".

- تم نشر هذه التدوينة في موقع جيل


ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

كيف نظر المستشرقون والغربيون إلى الحج؟

$
0
0
الحج بطبيعته ضد العلمانية وضد القُطْرية، فإنه يجمع الناس على قاعدة دينية!

عُرِف الحج في الهندوسية والبوذية واليهودية والمسيحية مما يدل على أن الاجتماع الديني قديم ضارب في أعماق الزمان وفي الفطرة الإنسانية، وهو جزء من كون الدين حقيقة إنسانية عميقة. غير أن الحج في الإسلام يمثل نظاما مختلفا لكون الإسلام حضارة ومنهجا للحياة، فهو جزء من طريقة الإسلام في تنظيم الحياة وإنشاء الحضارة.

وفي اللحظة التي تُشَنَّ الحروب على المسلمين وهويتهم، يكون المسلمون أحوج إلى هذا التذكير السنوي بمعنى الأمة الذي يُراد نزعه من النفوس لتثبيت التقسيم الجغرافي والسياسي الذي صنعته الجيوش الغربية في بلادنا، فالحج يقاوم زرع ولاءات تكون أعظم من الدين كالوطنية والقومية والإقليمية واللغوية والعرقية، ولذلك ترصد الكتابات الاستشراقية مغزاه وأهدافه السياسية برغم كون المسلمين يؤدونه كعبادة شعائرية.

في الحج يُعاد جمع الأمة وتعريفها بنفسها (أمة الإسلام) وبأصلها (إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام) وبوحيها (الكعبة) وبنبيها (خذوا عني مناسككم) وبأرضها المقدسة (مكة) وبعدوها (الشيطان وحزبه) وبرسالتها (العبادة والجهاد)، وبآمالها في التوحد والنظام، أن تكون الأمة كالحجيج: اتفاق في المظهر والحركة والغاية وإن اختلفت الألوان واللغات والبلدان والأعراق والسمات! وبحقيقة الحياة؛ فليس من مشهد أقوى في الجهاد والزهد من مشهد ذوي الأكفان البيضاء المتجردين من كل متاع الدنيا. لكل هذا فإن مشهد الحج هو المشهد المناقض لكل ما تريد الهيمنة الغربية أن تحققه!!


(1) المستشرقون والحج

حَضَرَتْ رحلةُ الحج في الدراسات الغربية بطريقيْن؛ الأول: دراسات المستشرقين التي اضطرت لتناول الحج لكونه الركن الخامس من أركان الإسلام، ولهذا فإنه موضوع حاضر في الدراسات البسيطة المختصرة والدراسات الموسعة معا. والثاني: كتب الرحالة الغربيين الذين حرص بعضهم على التنكر وحضور الحج بنفسه أو ساقته أقداره إلى الحج مثل فارتيما الإيطالي وبوركهارت السويسري وسنوك هروخرونيه الهولندي -والذي أعد رسالته للدكتوراة عن الحج[1]- وجوزيف بتس الإنجليزي وبيرتون الأيرلندي وغيرهم.

وتعددت الآراء والأنظار في فهم الحج ومعانيه وآثاره، ونظر إليه كل مستشرق في سياق بحثه، ففي تحليله لانتشار دعوة الإسلام يقول المستشرق البريطاني المعروف توماس أرنولد: "إن السيف كان يُمْتَشَق أحيانًا لتأييد قضية الدين، ولكن الدعوة والإقناع -وليس القوة والعنف- كانا هما الطابعين الرئيسين لحركة الدعوة هذه، وإن النجاح الرائع هو الذي أحرزه التجار بنوع خاصٍّ، الذين كسبوا السبيل إلى قلوب الأهالي ... وإلى جانب التجار كانت هناك جموعٌ ممن يصحُّ أن نُسَمِّيَهم الدعاة المحترفين، وهم الفقهاء والحُجَّاج"[2].

وفي تحليله لأوضاع المسلمين في إفريقيا يقول إيوان ميردين لويس -وهو عميد المستشرقين البريطانيين في الشأن الإفريقي- بأن الحج من أدوات الإسلام في صناعة هوية مشتركة، فالإسلام "يُوجِد رابطة هوية ومصلحة مشتركة تجمع بين المسلمين ذوي الأصول العرقية والانتماءات السياسية المختلفة، وذلك ضمن الظروف المتغايرة في حياة المدن. هذا الاعتراف بتضامن إسلامي أوسع يتجسد بصورة حية في اشتراك الإفريقيين الواسع في الحج إلى مكة"، كما يشير إلى أثر الحج في انتقال اللغة العربية أساليبها ومفرداتها وحروفها الهجائية إلى أقصى شعوب الشرق الإسلامية كالملايو وسومطرة، فـ "الإسلام -بما فيه الحج- شبكة من الاتصالات مع الخارج"[3].

ويظل المعنى الإيجابي الأبرز الذي كرره جمهور المستشرقين هو ما في الحج من دلائل المساواة بين الناس في الإسلام، يقول الكولونيل البريطاني المعجب بحياة المسلمين رونالد فيكتور بودلي: "الحج أعظم شاهد على ديمقراطية الإسلام؛ فهناك يجتمع المسلمون الأوربيون والآسيويون والإفريقيون، والصعاليك والأمراء، والتجار والمقاتلون في نفس الإزار البسيط الذي كان محمد [صلى الله عليه وسلم] وأتباعه يرتدونه في حجة الوداع عام (632هـ)، إنهم جميعًا يتناولون نفس الطعام، ويتقاسمون نفس الخيام، ويُعَامَلُون دون تمييز، سواء أجاءوا من مرافئ سيراليون أم من قصر نظام حيدر أباد، إنهم جميعًا مسلمون"[4].

ومثله يقول المستشرق الأمريكي المشهور ذو الأصول اللبنانية فيليب حتي: "الحقُّ أن الإسلام قد وُفِّقَ أكثر من أديان العالم جميعًا إلى القضاء على فوارق الجنس واللون والقومية، وخاصة بين أبنائه، ولا شكَّ في أن الاجتماع في موسم الحجِّ له الفضل الأكبر في تحقيق هذه الغاية"[5].

وعلى الناحية الأخرى فأبرز المعاني السلبية التي كررها المستشرقون في شأن الحج هو مسألة "الوثنية"، حتى إن بعض المنصفين مثل دينيس سورا يقول: "إن محمدا يكاد يكون هو الوحيد الذي نعرفه عن طريق التاريخ من بين عظماء مؤسسي الأديان، إذ أن الخرافات لم تستطع أن تخيفه... فقد كان العرب يعبدون الجن والأرواح التي تقطن الأحجار، إلى جانب عدد من آلهة القبائل المختلفة. ولقد محا الإسلام هذا كله، ولم يبق منه سوى الحجر الأسود. فقد ظل موطن القداسة الجوهرية. إذ وضعه محمد تحت حماية الخليل إبراهيم. ومن الممكن أن تكون هذه سياسة قصد بها التوفيق. كما يمكن أن يكون ذلك ناشئا عن احترام شخصي"[6].


(2) الرحلات الغربية إلى الحج

وأما الرحلات الغربية إلى الحج، فلقد كان أول من ادعى الوصول إلى مكة المكرمة هو جون كابوت (1480م) أي قبل سقوط الأندلس باثني عشر عاما، لكن لم يصل إلينا شيء مما كتبه، أما أول ما وصلنا فهو رحلة الإيطالي لودفيجودي فارتيما (1503م) والذي انتحل اسم يونس المصري وصفة جندي مملوكي، ثم جوزيف بتس الذي حج باسم "يوسف" (1680ه)، ثم تبعه الإسباني دومنيكو باديا ليبليج (1807م) باسم "علي العباسي"، ثم تبعه الرحالة السويسري المشهور جون لويس بوركهارت الذي انتحل اسم "إبراهيم" ووصل إلى مكة (1814م)، ثم الرحالة البريطاني ريتشارد بيرتون متخذا اسم "عبد الله" وصفة طبيب هندي ذي أصول أفغانية (1853م)، ثم الفرنسي جيل جورفيه كورتلمون متخذا اسم "عبد الله بن البشير" (1894م).

ولقد تعددت أغراض الرحلة إلى الحج، فثمة من كان مجبرا على ذلك لكونه عبدا مثل جوزيف بتس، وثمة من كان دافعه الفضول كما نرجح في كتابات من لم تشي كتاباتهم بغرض آخر، وثمة من تبدو في رحلته الأغراض التجسسية كما في رحلة بيرتون البريطاني، وثمة من تصرح الدلائل حوله أن غرضه كان استعماريا قحا كما في رحلة هروخرونيه الهولندي.

وبالعموم فلئن غابت التجربة الروحية بالعموم عن الدراسات الغربية، فإنها قد تميزت برصدها الآثار الثقافية والاجتماعية والاقتصادية بأكثر مما تعرضت له الرحلات العربية الإسلامية، وبعض ذلك راجع إلى العين الغريبة التي تنظر إلى الحدث الجديد فترصد فيه ما لا يلمحه من اعتاد عليه وبعضه الآخر راجع إلى مهمة الرحالة المهتمة بجمع المعلومات، بالإضافة لأمور أخرى.

لكل هذا كانت الرحلات الغربية إلى الحج أكثر ثراء في وصف المجتمعات الإسلامية وثقافاتها وعاداتها وطرق الحج من الرحلات العربية والإسلامية.


___________________________
-المصادر:

[1] انظر ترجمة موسعة له ومناقشة لمواقفه ورسالته عند: قاسم السامرائي، الاستشراق بين الموضوعية والافتعالية، ط1 (الرياض: دار الرفاعي، 1983م)، ص110 وما بعدها.
وكتاب هروخرونيه حافل بالتفاصيل حتى أقرَّ د. محمد موسى الشريف بأن اختصاره متعذر بسبب "ضخامة المعلومات الواردة فيه وأهميتها وصعوبة اختصارها"، انظر: محمد موسى الشريف، المختار من الرحلات الحجازية إلى مكة والمدينة النبوية، ط1 (جدة: دار الأندلس الخضراء، 2000م)، 1/10.

[2] توماس أرنولد، الدعوة إلى الإسلام، ترجمة حسن إبراهيم حسن وآخرون، (القاهرة، مكتبة النهضة المصرية، 1980م)، ص445.

[3] آي إم لويس، الحدود القصوى للإسلام في إفريقيا وآسيا، ضمن "تراث الإسلام"، بإشراف: شاخت وبوزوروث، ترجمة د. محمد زهير السمهوري وآخرين، سلسلة عالم المعرفة 8 (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1985م)، 1/135، 179.

[4] ر. ف. بودلي، الرسول حياة محمد، ترجمة: محمد محمد فرج وعبد الحميد جودة السحار، (القاهرة: مكتبة مصر، بدون تاريخ).، ص339.

[5] فيليب حتي، العرب تاريخ موجز، (بيروت: دار العلم للملايين، 1991م)، ص60.

[6] زكريا هاشم زكريا، المستشرقون والإسلام، (القاهرة: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، 1965م)، ص221.


- تم نشر هذه التدوينة في موقع المؤرخ محمد إلهامي



ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أستاذتي سعاد

$
0
0
(1)
قالت لي: العُشاق يكرهون الصور. الصور عند الفراق هى دليل على التعاسة وفشل التجارب حتى إننا نضحك كذباً في جميع الصور لرسم سعادة غير موجودة.
ثم رحلت..

نظرت حولي وتأكدت أني أحب الصور رغم كل ما قيل على أن الرواة يكرهون الصور تمجيداً لصدق الكلمات.. هناك صور عديدة لا تفارقني.

(2)

وقعت عيني على صورة لي مع فريق الإذاعة المدرسية في المرحلة الإعدادية التقطت يوم عيد ميلادي. لا أتذكر أسماء كل الأعضاء ولا أنسى الكثير. التقط الصورة الأستاذ يحيى بمدرسة التربية الزراعية، كان نصف أعمى وله استوديو تصوير يربح منه بعد انتهاء اليوم الدراسي.

كنت زعيماً لفريق الإذاعة المدرسية، أكتب المحتوى ويقرأه أسامة منصور بصوته ذي البحة الإذاعية الجميلة.

عندما قرروا تشكيل الإذاعة المدرسية قلت لهم إنني أخشى الميكروفون، ولكنى أحب الورق والأقلام. قالوا: أرِنا ماذا تستطيع أن تكتب.

كتبت مقدمة عن عظمة ثورة يوليو/تموز أشعلت الحماسة في قلوب الأساتذة الذين كان معظمهم من الأرياف يعشقون كل ما هو ناصري ويملكون الأرض ويحرثونها بفضل قانون التأميم.

كنت أغازل وطنيتهم الهشّة بكلمات عن العدل والحرية والمساواة وأشياء أخرى يحبون سماعها ولم يجربوها في حياتهم.

أسهر كل مساء لإعداد ما سيقرأه أسامة في الصباح، إلا هذه الليلة، لم أقم بإعداد أي شيء. فتحت كتاب العلوم الذي سلّمته لنا المدرسة واخترت صفحة بعيدة في مؤخرة الكتاب ونقلت منها مقدمة عن تطوير التكنولوجيا، وكيف أن العلم سيستطيع في المستقبل القريب أن يجعل من عصير البرتقال وقوداً للسيارات.

غداً هو يوم ميلادي وأريد أن تضحك المدرسة كلها عندما يقرأ أسامة هذه المقدمة.

(3)

تتوسط الصورة الأستاذة سعاد مُدرسة اللغة العربية والمسؤولة عن الإذاعة المدرسية.

كانت علاقتها بكافة الأساتذة الذكور علاقة سيئة؛ لأنها كانت من أسرة إقطاعية ما زالوا يملكون الأرض والألقاب الحديثة، وكانت علاقتها بالسيدات على نفس الدرجة من السوء؛ لأنها كانت -على حد قولهم- متحررة مثقفة تعشق القراءة.

الأستاذة سعاد كانت كجُملة عربية سليمة كاملة التشكيل، سمراء ذلك السمار الذي يدل على علاقة دائمة بالشمس والبحر. أطلقت شعرها الأسود اللامع حتى وصلت أطرافه إلى مؤخرتها التي نحتها أزميل فنان يعشق النساء، تكتحل بكحل أسود أضاف إلى بحور عيونها الواسعة اتساعاً.

لا أستطيع نسيان الأستاذة سعاد ما دمت حياً، في هذا اليوم لم أخبر أحداً في المدرسة أنه عيد ميلادي، فقط أشتاق إلى العودة إلى المنزل لأرى ما اشتراه أبي لي من أقلام.

دخلت الأستاذة سعاد إلى حصة اللغة العربية كعادتها تظللها سُحب من البهجة وتغسلها عطور من أزهار الجنة.

بلا أي مقدمات تحدثت الأستاذة سعاد عن أعياد الميلاد! وسألتنا نحن -المراهقون الذين تعلموا أسماء أعضائهم الذكرية منذ لحظات- عن الحكمة والفلسفة المؤدية إلى الاحتفال بأعياد الميلاد! طبعاً كان سؤالاً لا ينتظر الإجابة لأنها واصلت كلامها واستنكارها لأولئك الذين يحتفلون بأعياد ميلادهم.

قالت: عيد ميلادك يعني مرور سنة من حياتك، وأنك أقرب إلى الموت خطوة! وهكذا مع كل عيد ميلاد تدنو أكثر من القبر.

عُدت إلى المنزل غير مشتاق إلى الأقلام ولا أفكر إلا في هذا القبر الذي اقترب منّي أو اقتربت أنا منه، لم أردّ على تهنئة أبي بعيد ميلادي، كل ما أفكر فيه هو كيفية التحايل على هذا القبر الذي يلاحقني.

(4)

كبرت وهاجرت وعملت وحملت الصورة معي وكلمات الأستاذة سعاد لا تفارقني. في الجامعة في نيويورك كان كل قسم يحتفل بعيد ميلاد طُلّابه. هناك فريق من الطلبة يقوم بتنظيم الحفلات كل شهر على حسب تواريخ الميلاد.
يقوم هذا الفريق بجمع التواريخ من كل الطلبة الجدد، تهرّبت من إعطائهم تاريخ ميلادي وتم استدعائي من رئيسة القسم لسؤالي عن سبب رفضي.

قالت: نحن نحترم خصوصية الطلاب وإنها رفضت إعطاءهم تاريخ ميلادي دون إذني. قصصت على الدكتورة أبيجال حكايتي مع أعياد الميلاد وفلسفة الأستاذة سعاد، ضحكت الدكتورة أبيجال كطفل تعلم الضحك منذ لحظات. وقالت يا لها من غبية هذه الـ"سعاد"، إنها فلسفة سوداوية خاطئة بكل تأكيد. لماذا لا ننظر إلى عيد الميلاد على أنه احتفال بعام سعيد مضى وأننا في انتظار المزيد من السعادة؟

(5)

بحثت عن الأستاذة سعاد بعد نشر مجموعتي القصصية الأولى، سألت عنها في المدرسة قالوا إنها تزوجت وتحجّبت وأقلعت عن التدريس! بحثت أكثر حتى عثرت على صديق له صديق آخر زوجته هي بنت خالة الأستاذة سعاد، أعطيتها نسخة من الكتاب لتوصيلها للأستاذة مع إهداء:
إلى مَن علمتني أهمية الهمزة في اللغة العربية، وعدم أهمية أعياد الميلاد في الحياة.. أستاذتي سعاد.





ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

وظائف الناس

$
0
0
لما خلق الله الخلق، جعل مركز انشغالهم يدور حول عبادة الله كما يحب، وتحديداً بالطريقة التي أراد.

وفي هذا اجتهد الناس أن يعبدوا الله قدر جهدهم، فإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها وكيفما تعلموا وأجادوا.

وعلى هذا قسم الله نِعمَه على الناس ليفيضوا بها على غيرهم، فتنسجم بذلك أحوال الناس بين معطٍ وآخذ، ثم تدور الدوائر ليحتاج المعطي يوماً من أخيه محتاج الأمس وبذلك لا يظلم ربك أحداً.

واحتياج الناس لا ينحصر في مواد إقامة الجسم ولوازمه، بل يتعدى ذلك إلى ما تنشط به الروح وتسمو.


وعليه كانت وظائف الناس إما للاهتمام بقارورة الجسد أو بمادة الروح التي تسكن هذا الجسد.

فترى أناساً قد شغلوا أنفسهم بسد مؤنة الناس من الطعام أو المسكن أو العلاج أو اللباس، وكل ما ينصلح به حال هذا الجسد، وآخرين قد عملوا على تعليم الناس وهدايتهم وتطييب خواطرهم وتأمين روعاتهم وهؤلاء أطباء النفس ومعالجوها.

ولا تجد إنساناً إلا وقد حباه الله من الفضل ما يستطيع به أن يشغل وظيفة عند خالقه. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تحقرنَّ من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلْق"، أي أن أبسط ما تستطيعه أن تكون بشوشاً مستريح الأسارير فيستبشر بك الناس، بالله مَن لا يستطيع أن يفعل ذلك؟ وقوله عليه الصلاة والسلام "اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة" فيه معنى آخر لاستعمال نعم الله بين إقامة الجسد وترويح الأنفس.

إذاً فأنت موظف عند الله ما دمت تؤدي وظيفتك وتجتهد فيها وإذا أردت أن تعرف أين أنت من السلم الوظيفي، فاقرأ قول الشافعي عندما سأله أحد تابعيه: "كيف أعرف مقامي عند الله؟"، فأجابه الشافعي: "إذا أردت أن تعرف عند الله مقامك، فانظر فيما أقامك". فإذا تكاسلت وتعاميت "وقاك الله شر ذلك"، طردك الله من وظيفتك واختار غيرك ليقوم بما وكله إليك سابقاً "وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم" - سورة محمد.

ولأنه رؤوف رحيم سبحانه وتعالى، فإنه لم يربط نعمه عليك بوظيفتك التي أرادك لها.

فتخرج من وظيفتك ولم ينقص من مالك وعقلك وعلمك شيئاً، ولكن يسألك عما فعلت بنعمه فلا تجد إلا مالاً قد فني في طعام وشراب ولباس، وعلماً بقي حبيس الكتب وفهماً لم يصل لغيرك، وقتها يكون الحساب عسيراً.

ولأن كل الناس بجميع عقائدهم وأحوالهم يقعون تحت هذا السلم الوظيفي، فكان من الحكمة ألا ينشغل الحكيم بغيره وإذا ما كان عمله مقبولاً أو غير ذلك.

ولكن ليكن جلّ عمله أن يتعاون مع غيره لتنفيذ وظيفته على الوجه الأكمل، "والحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها"، كما جاء بالحديث الشريف.

فإن لم يأخذها المؤمن أخذها غيره؛ ليقوم بوظيفة الله التي أنشأها من قديم الأزل، ثم يحكم الله بين الناس فيما كانوا فيه يختلفون.

وأعجبني في هذا المجال ما قاله أحد المسلمين "وددت أن يتوقف الدعاء على الكفار والمشركين بصلاة التراويح وقد شغلوا أوقاتهم باختراعات واستنباط الحديث من أدوات الطب والهندسة والعلوم ما يستفيد به الناس كافة".

وأقول الدعاء على الظالمين أولى، ففينا منهم كثيرون، والله لا يحب الظالمين.

اللهم أقمنا على ما تحب وترضى وعلى ما تعلو به منازلنا ودرجاتنا، واجعلنا فيمن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس". والله من وراء القصد.






ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

حكم كتابة علامة صح

$
0
0
هل تعلم ما السر وراء تسمية صنبور المياه بـ"الحنفية" في مصر؟.. نهاية القرن التاسع عشر، اشتعل جدل فقهي في أروقة الأزهر، عندما تم مد مواسير المياه وتركيب الصنابير في منازل القاهرة.. الأمر الذي أدى إلى استغناء كثير من المصريين عن السقايين الذين كانوا يجلبون المياه إلى البيوت مقابل أجر، فما كان من السقايين إلا التوجّه إلى أئمة المذاهب السنية الأربعة لاستصدار فتوى بأن مياه الصنابير حرام؛ فاستجاب لهم الحنابلة وأفتوا بأن مياه الصنابير بدعة صريحة ولا تصلح للوضوء أو الطهارة، بينما أكد أئمة الشافعية أن الأمر بحاجة إلى بحث طويل، وتوقفوا في حسم الأمر.. لم يُنقذ المصريين إلا أئمة الحنفية حين أفتوا بإباحة مياه الصنبور وجواز الوضوء منها، ومن هنا سمّى المصريون الصنبور "حنفية".


وقبل 75 عاماً، كان أهالي نجد يطلقون على الدراجات الهوائية لقب "حصان إبليس"، ولا يقبلون بشهادة سائقها، كل هذا لأن شيخا أفتى بأنها قرينة الفساد والفسوق، تسير بواسطة الجن، تنشر الرذيلة وتشغل الناس عن العبادة.. ظلوا كذلك حتى سبعينيات القرن الهجري الماضي، فسمحوا باستعمالها للبالغين، بشرط الحصول تراخيص رسمية تصدرها هيئة الأمر بالمعروف، ولا تعطى إلا بشهادة تزكية واستقامة من إمام المسجد المجاور، على أن تستخدم في ساعات النهار فقط.


وحين ظهرت الكاميرا، كان أغلب علماء الخليج الحاليين شبابا تحت شيوخ الطليعة الأولى للحركة الأصولية في الحجاز، تلك الحركة التي سارعت بتحريم التصوير، ونقل هؤلاء التلاميذ الشباب رأي مشايخهم وتعصبوا لها، واعتبروا رأي مشايخهم هو رأي "الدين" نفسه، وعادوا من خالفهم قولا أو فعلا.. اليوم، يمتلك هؤلاء الشيوخ أشهر حسابات موقع سناب شاب، ويوثقون بالصور والفيديوهات لكل لحظة في حياتهم!

مؤخرا، وبالتحديد في الأول من أبريل عام 2014، حين كانت الأحداث في سوريا واليمن تتجه نحو تصعيد جديد، والغارات الصهيونية على قطاع غزة في أوج قوتها.. كان أحد أكبر مواقع الفتاوى الإسلامية على الإنترنت يناقش قضية (حكم كتابة علامة صح التي تشبه شعار شركة Nike الرياضية) يستعرض فيها المبررات ويفصِّل الحجج ويستخلص الأحكام، بل ويحيل السائل إلى مصادر أخرى للاستزادة والتوسع.


في الشهر نفسه، وفي غمرة الأحداث نفسها، أفرد مفتي السعودية، عبد العزيز آل الشيخ، مقابلة له عبر برنامج "الإفتاء" في التلفزيون السعودي الرسمي، ليبين حكم استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، واصفا موقع تويتر بأنه مصدر "لكل شر وبلاء وللأكاذيب والأباطيل"، لأنه "يُستخدم في القدح في شريعة الإسلام وأوامره ونواهيه، ولو استفيد منه حق الاستفادة لنفع، ولكن للأسف الشديد هذه التقنيات استغلت في الأمور التافهة".


في الشهر التالي، فبراير 2014، اهتزت الأوساط العلمية إثر بيان منظمة "المرّيخ 1"، والتي أعلنت عن نيّتها محاولة بناء مستعمرة للإنسان على سطح كوكب المريخ السيار تنتهي بحلول عام 2025.. نصيب العرب من تلك الهزة العلمية تشكّل في بيان لهيئة الشؤون الإسلامية في دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي أفتت بحرمة السفر إلى المريخ!


داعية سعودي آخر قال، قبل عام، إن ما اصطلح على تسميته بـ "البوفيه المفتوح" حرام لأن "من يدخل البوفيه ويأكل ما يشاء، وهو محدد السعر، فهو مجهول، والبيع والشراء مشترط فيه أن يكون البيع والشراء معلومين، ومن يحضر إلى بوفيه ويأكل ما يشاء مقابل 10 ريالات أو 50 ريالا، دون تحديد للطعام، فهذا مجهول، ولا يجوز شرعا".


يحسن هنا التوقف عن جلب مزيد من الأمثلة لتلك الفتاوى، إذ إن مواقع الأخبار تزدحم بمثلها، وربما لا يحتاج المتتبع أكثر من "حرب القهوة" التي اشتعلت في أرجاء القاهرة قديما ضد المقاهي التي تقدم مشروب القهوة لزبائنها، بعد فتوى لشيخ جامع شهير في ضاحية قاهرية بأن ذلك المشروب "حرام".. أو ما حدث في نهاية القرن التاسع عشر، حين أصدر مفتي حلب فتوى بتحريم أكل البندورة (الطماطم)، بسبب لونها الأحمر المخالف لكونها من الخضروات.


الحديث هنا عن جرأة "علماء الدين" وتوسعهم في مساحة التعرض للحياة العامة والتصدر لتفاصليها.. يؤمن المسلمون بشمولية دينهم حيال كافة مناحي الحياة، لكن السؤال: هل تلك الشمولية للدين أم لرجاله؟ هل يكفي كونك عالمًا درس الفقه والأصول، أن تعلق على نظرية علمية أو تصدر حكما فقهيا حول منجز تقني وحضاري جديد؟


مثلا، فتوى مفتي السعودية عن حول تويتر، الشيخ ولد في ثلاثينيات القرن الماضي، وفقد بصره منذ كان طفلا، أي قبل اختراع أقرب التقنيات لشبكة الإنترنت، فكيف تكونت وجهة نظره حيال مواقع التواصل؟ ومن أين استقى رؤيته الدافعة على تلك الجرأة في الفتوى حوله؟ هل "النقل والسماع" يكفى دليلا لاستصدار حكم فقهي؟.. الأمر هنا لا يثير تساؤلات حول علاقة "علماء الدين" بهذا الأمر وحسب، بل حول مدى أهلية الرجل لتلك الفتوى من الأساس!


الأمر الآخر، ماذا تعني تلك الشمولية الدينية للحياة؟ هل يُقصد بها أن يكون للدين رأي في كل مستجد حضاري؟ ومن المؤهل ليقول هذا الرأي؟ وحين نتحدث عن قضايا كالإجماع والقياس حول قضية علمية أو حياتية عامة، فما وزن إجماع علماء الفقه على رأي ما، أمام رأي واحد منفرد لعالم متخصص في مجاله؟


على أية حال، تلك قضايا تبدو تافهة، ولا تفتح بابا كبيرا لـ"إحراج" الدين بإقحامه في تفاصيل حياتية يحسن أن يُستفتى فيها أهلها، ثم تعميم تلك الإقحامات والتعصب لها و"صبِّها" في بنية الدين كثابت مقرر.. لكن إذا ما توسعنا في الأمر، وجدنا آراء فقهية مستقرة استقرار الدين نفسه، لو تتبعنا أصلها، لوجدناها لا تختلف عن متسلسلة تلك الفتاوى.


موقف "الإسلام" مثلا من نظرية التطور.. للوهلة الأولى يبدو الأمر بسيطا، فالنظرية ظهرت مكتملة مطلع القرن العشرين، بينما توقف التشريع الإسلامي قبلها بقرن كامل من الزمان.. إذن، وبأريحية يسيرة، نستطيع أن نقول بوثوق: لا موقف للإسلام تجاه تلك النظرية، وكل ما سيقوله علماء الدين حولها لا يعدو أن يكون اجتهادا خالصا، لا يُلزم الإسلام في شيء.


ربما هذا ما حاول الدكتور عبد الصبور شاهين أن يقوله في كتابه أبي آدم حول التطور، فالرجل طول الكتاب يحاول أن يؤصل لمبدأ واحد: النظرية علمية، ونحن شيوخ، فلماذا نتصدر لمناقشتها؟ ماذا لو أثبت العلم بعد سنوات بما لا يدع مجالا للشك صحة النظرية؟ كيف سنخلع عن "الإسلام" ما ألزمناه حولها؟

في سنوات الدراسة الجامعية، درّس لنا أستاذ التفسير فصلا كاملا حول وجود الحياة في الكواكب الأخرى، وراح يستعرض من بين آيات القرآن ما قد يُفهم منه الإشعار بتلك الحيوات، واستنكر عشرات الفتاوى المشهورة التي تقسم باستحالة وجودها.. لم يقطع الأستاذ برأي صريح، لكنه أراد منّا أن نستوعب حدود علاقة رجال الدين بالمنجزات العلمية والحضارية المستجدة.


أتذكر يومها كيف هاجمه الطلاب والأساتذة الأصوليون، وكيف دافعوا عن "فتاوى" شيوخهم باستماتة ويقين، هؤلاء الشيوخ الذين لا يعرف أحد كيف تصدروا لمعالجة أمر غيبي علمي يُدرس في وكالات الفضاء، لا في ساحات المصليات وتحت أعمدة المساجد!


نهاية القول، تحتاج الأجيال الشابة لأن تعرف أن التشريع الإسلامي توقف، والدين اكتمل قبل زهاء قرن ونصف القرن، وعليه فإن كل منجز حضاري وحياتي مستجد، لا نستطيع أن نقطع فيه برأي ثابت نقرره موقفا ثابتا للدين غير قابل للتغيِّر والتحول والتبدل.. هذا الأمر ينطبق على كل ما خضع للقياس من منجزات مستجدة، بدءا من التصوير والطباعة، مرورا بالتطور واستنتاجات علوم الفضاء، وصولا لأحكام التدخين والمخدرات.


تحتاج الأجيال لتعرف أن كل ما يشاع عن كونه رأي "الدين" في مسألة مستجدة، ليس في النهاية سوى رأي شيوخ واجتهادات علماء، ربما لا علاقة لهم بالأمر من قريب أو بعيد، حتى ولو أشاعوا حوله "الإجماع".. فلا تحمل في نفسك حرجا حين تجد قناعاتك حيال تلك المسائل تذهب بعد توقف ودراسة خلاف ما قالوه.. واعلم أن كل مستجد لا يعرف رأيا قاطعا "للدين"، فلا الدين قال، ولا الشيوخ وكلاء عن الله.. نحن هنا لا ننزع عن الدين شموليته، وإنما ننزعها عن رجاله.. وكل فتوى معاصرة، مهما بدت مستقرة، تبقى خاضعة للثورة والمراجعة.

- تم نشر هذه التدوينة في موقع مدونات الجزيرة


ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

لماذا تعزل الصحراء الغربية نفسها عن العمق العربي؟

$
0
0
في سؤال لمسابقة تعيين كُتاب دبلوماسيين بوزارة الخارجية الجزائرية منذ سنوات قليلة، جرى طرح سؤال: لماذا لا يهتم العرب بالقضية الصحراوية مثل اهتمامهم بالقضية الفلسطينية؟

كان جواب أحد المرشحين أن العرب لديهم عادة، وهي أنهم لا يزوجون الأخت الصغرى قبل الأخت الكبرى!

قد يكون جواب الممتحن مقبولاً، وأتوقع أنه قد سقط في الامتحان نتيجة لجوابه ذلك، لكن لماذا لا نقلب السؤال؟

لماذا لا نطرحه بالشكل الآتي: لماذا لا تهتم الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية للقضايا العربية؟ وهي تحمل من اسمها كلمة العربية؟

من الصعب إيجاد إجابة مقنعة للسؤال، منذ البداية، أي منذ إعلان الجمهورية ذات يوم من أيام سنة 1976، على ذلك الجزء القصيّ الواقع بعيداً في الغرب على سواحل المحيط الأطلسي، فضّلت الصحراء الغربية الانطلاق نحو عمقها الإفريقي، ونحو أميركا اللاتينية التي كانت -وما زالت- قلعة من قلاع مقاومة الاستعمار، وبشكل أقل من التركيز على أوروبا وبشكل أساسي المستعمر السابق إسبانيا، في سعيها الدؤوب لإخراج المغرب من الإقليم المحتل، في حين كان الحضور على الساحة العربية باهتاً وخافتاً بشكل غير مبرّر وغير مفهوم.

من الممكن أن نتفهم أن هناك ميلاً عربياً لدعم أطروحة المغرب في الصراع، فقد انحازت مصر في السنوات الأولى لجانب المغرب مادياً وعسكرياً، وكذلك فعلت الإمارات التي شارك وفد رسمي منها سنة 1975 في المسيرة الخضراء، وكذلك دول الخليج التي وقفت مع المغرب في إطار تضامُن الملكيات، بينما كان موقف العراق غريباً منبعثاً من أدبيات حزب البعث بعدم تشجيع ظهور الكيانات الصغيرة، وهو المبدأ الذي سُعي لتطبيقه لاحقاً في الكويت، بالرغم من أن مساحة الصحراء الغربية أكبر من مساحات دول عربية مجتمعة، ولم يشذّ عن هذا الإجماع العربي سوى سوريا باعتراف شبه رسمي، وموريتانيا باعتراف رسمي، بدون تبادُل للسفراء، واعتراف من الجزائر وليبيا.

نتجاوز بشكل سريع أحداث ثمانينات القرن الماضي وانشغال الجمهورية الصحراوية بالصراع العسكري ضد المغرب لنصل إلى العقد الحالي من القرن الـ(21) لنتساءل: أين هي الجمهورية العربية من الساحة العربية ومن أحداث الشرق الأوسط؟

كان من الممكن للصحراء الغربية أن تحقق خرقاً دبلوماسياً كاملاً للساحة العربية لو أحسنت استغلال الظروف التي تمر بها سوريا مثلاً أو العراق؛ حيث من شأن أي دعم أو موقف سياسي عسكري صريح من الأحداث الدائرة هناك أن يقفز بالجمهورية العربية الصحراوية إلى الأذهان كدولة عربية وليدة وشعب شقيق يعاني من ظلم ذوي القربى، ومن الممكن لوجود عسكري رمزي صحراوي، في قاعدة حميميم مثلاً، أن يجلب للجمهورية تقدير دولة قوية مثل روسيا، واعترافاً كاملاً من سوريا، خصوصاً في ظل موقف المغرب من الدولة السورية، وتأييده منذ 2012 للمعارضة السورية، وكذا فتح خطوط اتصال مع العراق ولبنان؛ مما يساهم في محو الصورة القاتمة والغامضة المرتسمة في الذهن العربي عن هذه الدولة المسماة الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية.

إن فتح ساحات جديدة للتعريف بالقضية الصحراوية وكفاح الشعب الصحراوي هما عاملان مساعدان يمكناها من تقصير أمد النزاع الذي يقارب الآن أربعين سنة أو يفوق، ويسمح بإيجاد أُطر جديدة للحل داخل المجال الطبيعي الذي هو المجال العربي الذي يفترض أن يشكل المجال الأول للجمهورية، بالإضافة إلى المجال الإفريقي، بدلاً عن الذهاب بعيداً خلف المحيط.

إن تخصيص جهد دبلوماسي مهما قلّ من أجل العمل والحركة داخل المجال العربي، سيعود آجلاً أو عاجلاً ببعض النفع على الشعب الصحراوي، ويفتح له مجالات جديدة تمكّن من مساعدته في إيجاد حل للنزاع.





ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

شهادتي عن مجزرة الساجدين "2"

$
0
0
2017-08-22-1503440218-8736689-medium_20170708085881612f.jpg

"الإخوان بيقتحموا مقر الحرس وبيقتلوا الجيش" تلك كلمات سمعتها بأذني من أحد قاطني الأدوار السفلية المطلّة على أحداث الفضّ، وأمام كل ما يراه من قتل وانتهاكات بحق المعتصمين يقولها بدم بارد وهو يشرب سيجارته مرتاح الضمير، أحسست حينها بالصدمة العاجزة عن تفسير ذلك المشهد، أوَيعقل أن يرى أحدهم ما يحدث ويكذب تلك الكذبة؟! لكن ما تبع ذلك من أحداث كان كافياً لتفسير ما نحن أمامه من جفاء وانسلاخ من كل معاني الإنسانية.

بعدما انتظرت قرابة النصف ساعة ذهاب إحدى جيبات الشرطة العسكرية التي اعتقلت مجموعة ممن احتموا بالشوارع الخلفية وتم رصدهم من المروحية، ركضت سريعاً في أحد الشوارع الفرعية في اتجاه صلاح سالم إلا أنني تفاجأت بمجموعات من قاطني العمارات المجاورة لدار الحرس وهي مساكن للجيش قد نزلوا بأسلحتهم الشخصية لمساعدة قوات الفضّ، وإلقاء القبض على مَن نجا من المذبحة، وقد طلبت منهم عدم الاحتكاك وتَرْكي فقط أعبر من الطريق إلا أنهم قاموا بالتعدي عليَّ وتكتيفي تحت تهديد أحدهم بسلاحه الخاص وقيامهم بتسليمي لقوات الصاعقة عند منطقة عسكرية مغلقة قريبة.

وحين تم تسليمي لقوات الجيش قام قائد القوات الحراسة برتبة "رائد" بتفتيشي مع استجوابي والتعدي عليَّ بالضرب والسبّ وكان مما أعاد تكراره مراراً: "إحنا بقى كفرة وانتم المسلمين" كانت تلك الجملة لا تفارق لسانه مع كل كلامه الموجَّه لي، وقد حاول كذلك فتح الهاتف الخاص بي وطلب منّي رمز المرور، إلا أني رفضت فكان ينهال عليَّ بالضرب والركل وأنا مكبَّل اليدين للخلف، وفي ذلك الموقف رأيت من المهانة ما لم أرَه في حياتي، ورأيت كمّاً من الكره والحقد ما لا يستوعبه عقل إنسان سويّ، وبعد إصراري على رفض الإجابة عن أي سؤال وأني مارست حقي الطبيعي في التظاهر والاعتصام دون أن أرتكب أي جرم أو تعدٍّ على أحد، بل نحن مَن تم انتهاك حقوقنا وقتلنا عمداً بدم بارد ودون تردد في أولى مجازر للجيش المصري بعد انقلابه على أول رئيس شرعي منتخب بعد الثورة.


تم تسليمي لقوات الشرطة العسكرية التي قادتني مع مجموعة أخرى تم اعتقالهم من أماكن أخرى أثناء الفضّ، وكنا نمشي في صف مفرد ووراء كل منا مجند يحمل رشاشاً وضع فوهته على ظهورنا ونحن مقيَّدو الأيدي، وكانوا يصيحون فينا أثناء سيرنا "انتم فاكرين نفسكم نجيتوا انتم لسّه ما شوفتوش حاجة"، مما جعلنا نظل نردد الشهادة طيلة تحركنا اعتقاداً منا أنه سيتم إعدامنا وتغطية ذلك، تم نقلنا في سيارات تابعة للجيش لدار القوات الجوية المجاورة لدار الحرس الجمهوري، وقبل صعودنا كانوا قد صادروا جميع الهواتف ومتعلقاتنا الشخصية وتكسير جميع شرائح الهاتف.



وعند وصولنا كانت المفاجأة في الأعداد المهولة من المعتصمين الذين جرى اعتقالهم خلال الفضّ، وكانت مقسمة على شكل حلقات متباعدة تتراح بين الـ٥٠ و١٠٠ شخص، وتم وضعها جميعاً بعيداً عن الظل تحت الشمس وكانت شديدة الحرارة يومها، دون تقديم أي إسعافات للمصابين وتركنا دون ماء ودون ظل، وكان يمر علينا المجندون "الغلابة" ويسبّون تارةً ويضربون أحدنا تارةً دون أمر من قائدهم، بل إن قادتهم من كانوا يوقفونهم في محاولاتهم التعدي علينا، وبدأت بعض القوات الأمنية الأخرى من الشرطة وأمن الدولة والمخابرات في الوصول إلى أماكن تجميعنا والتحاور مع الدكتور محمد وهدان، أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين؛ حيث كان من ضمن مَن اعتقلوا في فضّ دار الحرس الجمهوري.

وأثناء انتظارنا وإذ بفوج يصل إلى مجموعتنا وأحد المعتقلين كان منهاراً تماماً، ويصرخ في وجه الجنود بصورة هيستيرية ويحكي وهو يبكي ما رآه بعينه من قتل أحد الرضع أثناء اقتحام أفراد قوات الفض إحدى الخيام؛ حيث كانت تتواجد فيها إحدى المعتصمات مع رضيعها، وقام الجندي بإطلاق النار على الرضيع وقتله، وهو يحلف بالله أنه رأى ذلك بعينيه وينهار في البكاء دون توقف، ونحن تتوالى علينا الصدمات من مآسي ما رأيناه وعِشناه في تلك الأحداث.

بدأت قوات الجيش وبعد وصول كاميرات الإعلام والدعم المعنوي بإخلاء جميع المجموعات من المصابين الذين تم رفض علاجهم منذ وصولنا لدار القوات الجوية ونقلهم بالإسعاف للمستشفيات، وذلك ليبدأوا بتصوير مجموعات المعتقلين وإظهارنا في صورة المعتدين على قوات الجيش بمحاولة اقتحام دار الحرس الجمهوري، كما أشاعوا في الإعلام.

كنا نسمع أصوات المتظاهرين القادمين من رابعة نسمع هتافهم وإطلاق الرصاص عليهم من قِبَل قوات الجيش عاجزين تماماً، وأتذكر إحدى ساكنات العمارات المطلّة على ساحة القاعدة الجوية وهي تشير إلى المتظاهرين من الأعلى على أماكن تواجدنا وتصرخ: "هنا.. هنا"، مشيرة بيدها لأسفل، لا أزال أتذكرها وأبتسم فقد كانت شعاع الأمل "الضمير الحي المتبقي" في ذلك الظلام الدامس.

تفاجأنا بنزول القوات الجوية وأطبائهم الذين أصروا على تقديم المساعدة لنا إلى أن يتم ترحيلنا؛ حيث جلبوا لنا الماء والسماح لنا بدخول دورات المياه الخاصة بهم، وكانت الحقيقة من المواقف التي لا أنساها برغم كل ما مررنا به، فنحن لم نحمل يوماً حتى أثناء ثورتنا إلا الحب والانتماء والاعتزاز بجيشنا رغم أنه أدار ظهره لنا أثناء الثورة بحجة الحياد، وها هو الآن يستقبل أحضاننا بالرصاص غدراً، وعندما ذهبت لأتوضأ وأغسل وجهي من حرارة الشمس الشديدة بعد حرماننا من الاحتماء في الظل، صاحبني أحد قادة القوات الجوية أثناء خروجي وسألني عن عمري ودراستي، فلما انبهر بتخصصي فقال لي "ليه يا ابني تضيع مستقبلك! ليه تمرمط أهلك؟"، فابتسمت ورددت: "هو أنا اتمسكت باخد مخدرات ولا باعمل حاجة غلط؟ أنا واحد نزلت خايف على بلدي وباحمي الثورة اللي شاركت فيها زيي زي باقي الشباب اللي نزل ومات قدام عيني بدون أي جرم أو ذنب"، فرد عليّ: "يا ابني انت شكلك ابن ناس ومش بتاع بهدلة نصيحة منّي ما تضيعش نفسك وشوف مستقبلك"، رغم أنه لا يعلم أو يتناسى أننا ما نزلنا جميعاً إلا لحماية مستقبلنا ومستقبل أولادنا من أن يسرق على أيدي مَن باع وطنه وخانَ شعبَه.

ومن الطرائف أن أحد الشباب استطاع أن يخفيَ هاتفه المحمول، فجعلنا جميعاً نتصل خفية لنطمئن أسرنا، فلم أتذكر وقتها إلا رقم والدتي مما كنت فيه من ارتباك، فاتصلت بها أطمئنها وأبلغها أنه تم اعتقالي وأني بخير وتُطمئن والدي اعتقاداً منّي أنه استطاع العودة لميدان رابعة، فهو كان في المستشفى الميداني يعالج المصابين، فكان ردها "يا ابني والدك عندك دوَّر عليه، ربنا يثبتكم"، بكل بساطة وثبات لا أنساه، وكيف لي أن أنسى.

يُتبَع..





ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

الحاج عمرو خالد والعقل السخيف

$
0
0
ليست هذه المرة الأولى التي يسقط فيها عمرو خالد من جبل عرفات، فقد فعلها قبل سبع سنوات، حين أقدم على واحدةٍ من حركاته التلفزيونية المضحكة، في أثناء موسم الحج في نوفمبر/ تشرين ثاني 2010.

في ذلك الوقت، كانت مصر على موعد مع أسوأ انتخابات برلمانية في تاريخها، تلك الانتخابات التي أراد بها حسني وجمال مبارك القضاء على معارضة مشروع التوريث قضاءً مبرماً، فكان أن قرّر الحزب الحاكم فرض الهيمنة المطلقة على مجلس الشعب، من خلال الدفع بالأسماء ذات الوزن الثقيل من العسكريين ورجال المخابرات السابقين.

من هؤلاء كان لواء المخابرات ومحافظ الاسكندرية ووزير التنمية المحلية السابق، محمد عبد السلام المحجوب، وكان عمرو خالد بجسده على جبل عرفات، وبقلبه وعينيه على النظام في مصر، يريد ألا يترك فترة الدفء والرضا الرسمي عليه تمضي، بعد أن سمحوا له بالعودة إلى العمل الدعوي، التلفزيوني، في أندية الأثرياء.. في ذلك اليوم أعلن (النجم) عمرو خالد من فوق جبل عرفات عودته إلى استئناف نشاطه وندواته الجماهيرية، انطلاقا من دائرة اللواء محمد عبد السلام المحجوب الانتخابية، دائرة الرمل في الإسكندرية، بل إن اللواء الوزير المحافظ السابق زفّ البشرى للشباب بنفسه، وذلك قبل عشرة أيام فقط من إجراء الانتخابات.

ولكن الملاحظة الإيجابية الجديرة بالتوقف أمامها أن قسما كبيرا من محبى عمرو خالد ومعجبيه لم يبتهجوا بتلك "العيدية" التى أرسلها إليهم داعيتهم الشاب من أطهر بقاع الأرض، بل تلقاها معظمهم بشيء من التوجس المخلوط بالأسى، على طريقة خلط السياسة بالدين، والذي يكون شديد الضرر أحيانا، وعظيم الفائدة فى أحيان أخرى، حسب ما تراه غرفة العمليات فى الإدارة العامة لمكافحة الخلط التابعة للأمانة العامة للحزب الوطنى.

فيما بعد، جاءت ثورة يناير2011 وبقي عمرو خالد كامناً في برج الفرجة، صامتاً، والبلاد تشتعل بالغضب على نظام مبارك، حتى جاء الخطاب العاطفي الشهير لمبارك الذي حاول فيه دغدغة مشاعر الجماهير، بإعلانه أنه لن يترشح للانتخابات الرئاسية. وهنا ظهر عمرو خالد، وذهب يطرق أبواب مكتب "الجزيرة" طالباً التحدث للجماهير، كي يقول لها"كفاية ماذا تريدون من الرجل أكثر من ذلك"، تلك النغمة التي برع في ترديدها ممثلون محترفون من نوعية عفاف شعيب.

غير أن الجماهير واصلت احتشادها، حتى خلعت مبارك، فقرّر عمرو خالد أن يمتطي أمواج الثورة، ويدشّن نفسه ثورياً وداعية تغيير وحراك، وذهب إلى أبعد من ذلك، بتكوين حزب سياسي بعد الثورة، وحين جاء الدكتور محمد مرسي رئيساً كان الأكثر حماساً وحرصاً على الوجود في كل المناسبات التي دعت إليها مؤسسة الرئاسة.

أذكر أنه حين اجتمعت القوى الوطنية مع الرئيس مرسي في قصر الاتحادية بشأن إلغاء الإعلان الدستوري الذي فجر الأوضاع، كان عمرو خالد يجلس قبالتي، وفوجئ الحضور بأن ما يدور في الاجتماع المغلق الذي لم يكن مسموحاً فيه بحمل أجهزة الهواتف الذكية قد تسرّب إلى موقع اليوم السابع بينما الاجتماع منعقد، الأمر الذي أثار استياءً، وعرف حضور كثيرون أن المسرب، أو الواشي، هو الداعية الشاب الذي لم يجد بداً من الاعتراف بأنه يخبئ هاتفاً محمولاً في جيبه، ثم اعتذر بطريقة مخجلة، وتلك واقعة لها شهود أحياء.

فيما بعد، كان عمرو خالد حاضراً في اجتماعاتٍ أخرى، يناضل من أجل زيادة حصة حزبه في التعيينات الخاصة بمجلس الشورى، ويطلب معاملته مثل الأحزاب القديمة سواءً بسواء، ولمّا لم يحصل على ما يريد، بدأ في التململ والاقتراب من الضفة الأخرى، حتى جاء الانقلاب، فقفز في سفينته، جسوراً وهصوراً، ضد الرئيس المنتخب، ثم محرّضاً على سفك دماء المعتصمين في ميدان رابعة العدوية وكل ميادين مصر.

يجيد عمرو خالد لعبة الكاميرا، تلفزيونية كانت أم "سيلفي الموبايل"، استخدمها في موسم حج هذا العام، فسجل هدفاً قاتلاً في مرماه، واستخدمها معه مواطن بسيط ممّن أدمت مذبحة رابعة قلوبهم، فأشهر الأصابع الأربعة في وجه أحد المحرّضين عليها.. يمكنك هنا أن ترتدي مسوح الحكيم والمثقف العميق، وتتقعر و تتحودب، حد النطاعة، وتجلد الشخص الذي التقط الصورة، وهي بالمعيار الصحافي صورة العام من دون منافس، بالنظر إلى صعقة الداعية الشاب منها، وبالمعيار الإنساني هي كاشفة لحالة الذعر الكامنة في نفوس الذين وافقوا على استباحة الدم، واستحلوا البشر ذبائح وأضاحٍ، ووسائل للتربّح السياسي والدعوي.

لدى عمرو خالد ترسانة إعلامية جبارة، ويختبئ داخل ترسانة عسكرية وأمنية مخيفة، وليس بيد هذا الشخص المكلوم على الدماء والأنفس سوى كاميرا موبايل، فاستخدمها بإبداع، ومنح وسائل الإعلام الاجتماعي مادة نادرة، و"طبطب" على قلوبٍ أنهكتها فظاعات الأوغاد القتلة.
وصف عمرو خالد صاحب الصورة بأنه ذو عقل سخيف.. لكن السخيف حقاً، والمبتذل فعلاً، هو هذا التطاوس السفيه على إبداع عفوي وبسيط، من رجلٍ لم يمد يده أو يستخدم لسانه بإسفافٍ وبذاءة، ونجح في وضعه أمام جريمته، من دون بياناتٍ عصماء تصدر من كيانات خرقاء.

- تم نشر هذه التدوينة في موقع عربي21


ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

المسرطنات المغلّفة بالجمال

$
0
0
لا توجد امرأة لا تستخدم أياً من مستحضرات التجميل والمعطّرات والصبغات والكريمات المنتشرة هنا وهناك وبأسعار في متناول الجميع، وبين مواد تجميلية تخضع للرقابة وأخرى تباع مقلدة أو بأقل الأسعار في الأسواق السوداء أو مهربة، تظهر علامات استفهام.

سأكتب هنا باختصار أهم المواد المسرطنة التي تتوفر في مواد التجميل ورغم محاولات FDA من حظر استخدام هذه المواد إلا أنها تكتشف بعض التجاوزات ومن شركات عالمية أيضاً.


الزئبق

قبل سنوات طلبت منّي سيدة نوع من أنواع الكريمات المبيضة، بحثت على مواقع التجارة الألمانية ولم أجدها، سألت إحدى الصيدليات فبحثت عنه في بنك المعلومات لديها وقالت لي: هذا غير موجود في ألمانيا، غير مصرح به لأنه يحتوي على الزئبق وهو مادة مسرطنة، عدت إلى السيدة عبر حديث هاتفي فقالت لي: إنها صديقاتها حصلن عليه من أميركا وهن سعيدات جداً به، وأكدت لها أنه مسرطن، ولكن لم تهتم بالقدر الذي امتدحت فيه مفعوله في التبييض وإخفاء آثار الحبوب ونضارة...

في مقال نشر على ميلي داي عن المبيضات المحتوية على الزئبق وصفه بالسواد المختبئ خلف أسطور التبييض، وهذه الكريمات تصنع في الصين والمكسيك والهند، ويتم تهريبها إلى الدول الأخرى، ويتسبب الزئبق بآفات عصبية، مثل قلة التركيز، وفقدان الذاكرة، وسرطان الجلد.

الكادميوم والرصاص والألومنيوم والكروم

من المواد المسرطنة الموجودة في مستحضرات التجميل مثل أحمر الشفاه والأي شادو والكونسيلر والفاونديشن هما عنصرا الكادميوم والرصاص وكلاهما من المعادن الثقيلة، ويدخلان في صناعة البطاريات والزنك.. اكتشفت FDA في الأسواق أن أكثر من 60%‏ من أحمر الشفاه يحتوي على الرصاص وتم تصنيعه في الصين.
كيف يمكن أن تتعرفي سيدتي إن كانت مواد التجميل تحتوي على هذه المواد أم لا؟
ً ابحثي عن هذه الأسماء:
‏Lead acetate, chromium, thimerosal, hydrogenated cotton seed oil, sodium
‏hexametaphosphate


مركبات الإيثانولامين

تتوافر هذه المواد في الماسكارا والاي لاينر والبلاشر وكذلك كريمات الأساس، وأثبتت دراسات أنه الاستخدام الطويل لهذه المواد وتراكمها السمّي مرتبط بالسرطانات.
كيف يمكن أن تتعرفي على هذه المواد؟
ابحثي عن هذه المركبات:
‏Triethanolamine, diethanolamine, DEA, TEA, cocamide DEA, cocamide MEA, DEA-cetyl phosphate, DEA oleth-3 phosphate, lauramide DEA, linoleamide MEA, myristamide DEA, oleamide DEA, stearamide MEA, TEA-lauryl sulfate.


الفورمالين (الفورمالدهايد)

تتركز هذه المواد في صبغات الشعر، لاصق الرموش، طلاء الأظافر والكيراتين.

وكشفت آخر تقارير الـFDA عن مخالفات في استخدام الكيراتين واستخدام خمسة أضعاف عن المصرح به بالنسبة للفورمالين، كما اكتشفت أيضاً أن أغلب العبوات المباعة في إفريقيا من الكيراتين البرازيلي والمكتوب عليه خالية من الفورمالين كلها مغشوشة.

نسب قليلة من هذه المادة الخطيرة أثبتت تسببها في تهيج العين والجلد والدوخة وتعطيل الحمل بينما النسب العالية ارتبطت في السرطانات وأهمها سرطانات الدم مثل اللوكيميا والليمفوما.
كيف لي أن أتجنب هذه المواد؟
لا تستخدمي المواد المحتوية على ما يلي:
‏:Formaldehyde, formalin, methylene glycol, methylene oxide, paraform, formic aldehyde, methanal, oxomethane, oxymethylene, timonacic acid or thiazolidinecarboxylic acid


البارابين

تتركز هذه المركبات في سبراي الشعر، مزيلات العرق ومعاجين الأسنان.
تحاكي هذه المواد هرمون الاستروجين، وأثبتت دراسة قامت بها جامعة بريطانية أن 99%‏ من المصابات بسرطان الثدي واللاتي خضعن لهذه الدراسة وجود تراكم لمادة البارابين في أنسجة الورم.
كيف لي أن أعرف هذه المواد على العبوات المستخدمة؟
راقبي المكونات جيداً وتجنّبي هذه المواد:
‏: Proprylparaben, Isopropylparaben, Butylparaben, Isobutylparaben

وتتزايد نسب الإصابة بها من فرط استهتارنا بأنفسنا واستخدام المواد الكيميائية الثقيلة التي هي في دستور المواد السامة، تضع المرأة على جسدها ما يقارب الـ500 مادة كيميائية ويمتص جلدها قرابة 60% من مستحضرات التجميل في مجرى الدم، أليس من الأفضل أن نبحث عن طرق ومواد آمنة لنحمي أنفسنا وأجيال قادمة من تراكم هذه السموم؟

هناك موقع الماني رائع يصنف مركبات مواد التجميل والمواد الغذائية حسب درجة خطورتها، صالح للتحميل على الهاتف من أجل التحقق من مكونات أي منتج تجميلي قبل شرائه.. اسمه codecheck.



ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سوريا وإيران والشركس في تصفيات كأس العالم

$
0
0
قبل يومين من مباراة إيران وسوريا دخلتُ في حوار طويل مع ولديّ، فيما يتعلق بنتائج المباراة.

أنت مَن تشجع؟ وهل تتمنى فوز المنتخب السوري وتأهله لكأس العالم؟

لم يكن النقاش سهلاً لوجود اعتبارات أخلاقية تُقيِّد من أحلامي التي حلمت بها لعقود، وهي تأهل منتخب سوريا ضمن ظروف حرب تكاد تأتي على سوريا كبلد مستقل.

ولداي يدرسان العلاقات الدولية في جامعات أميركا، فمحمد يدرس ماسترز دراسات إسلامية وشرق أوسطية في جامعة جورج مايسون في ڤرجينيا، ويحيى في سنته الثالثة في دراسته للعلاقات الدولية وتطوير الدول في جامعة ڤرجينيا.

كلاهما لعب كرة القدم في طفولته، بل يحيى كابتن نادي الجامعة الذي فاز العام الماضي ببطولة أميركا لنوادي كرة القدم الجامعية (النوادي تختلف عن منتخبات الجامعة)، كلاهما قارب الموضوع من وجهة نظر مختلفة معتبرة.

أما يحيى فكان يرى أننا لا يجب أن نتمنى تأهل المنتخب لنهائيات كأس العالم، لسبب بسيط غير الذي ذهب له أصحاب هذا الرأي من الثوريين. فرأيه ببساطة أن المنتخب لا يمثل سوريا "رياضياً"، ليس بسبب النظام وعلاقته بشعبه، ولكن بسبب مقتل الكثير من زملاء اللاعبين على يد النظام، وهو ما يعني عدم أخلاقية اللاعبين الذين رضوا بمقتل زملائهم، واستمروا باللعب، وهو ما ينزع عنهم أخلاقيات المنافسة الشريفة التي ينبغي أن تنبني عليها الرياضة أساساً.

هذا الرأي وحده هو الذي كان يمنعني في قرارة نفسي من تقبُّل فكرة تمثيل المنتخب بتركيبته الحالية لسوريا.

فأي منتخب يعني بالضرورة تكافؤ فرص اللاعبين بشرف تمثيل بلدهم.

وحين يُقتل ويُعتقل بعض اللاعبين بسبب موقفهم السياسي من نظام يحكم بلادهم، ثم يُمثِّل البلاد لاعبون ما كانوا ليمثلوها لولا مقتل من هم أفضل منهم، والذين لم يُقتلوا لولا أنهم إذ سِيمَ شعبهمُ الخسفَ قالوا بملئ فيهم "لا"، فحينذاك نعود إلى المربع الأول الذي خرجت به الثورة، وهو الثورة على الظلم وانعدام تكافؤ الفرص بين أبناء البلد الواحد.

ثم جاء دوري في النقاش، فتنبأتُ بأن إيران ستدع سوريا تفوز بالمباراة كي تتأهل معها، وبذلك تثبت للعرب أنها وسوريا رغم الصعاب وصلتا لكأس العالم بسبب قلعة الصمود والتصدي عند الجانبين.

أما رأي ولدي محمد فكان أبسط من رأي أخيه وخالف ما تنبأتُ به.

قال لي: بغضِّ النظر عما تنبأت به ويتمناه الناس، وعما يبدو بديهياً فإن إيران لن تسمح لسوريا بالفوز لسبب بسيط، وهو العنصرية الفارسية الموجودة لديهم وتعاليهم على العرب.

ثم أضاف: سوريا منشأ العروبة في القرن العشرين. لذلك سيحاول الإيرانيون الفوز مهما كلف الأمر كي يثبتوا أن فارس قاهرة العروبة. ولسبب آخر خطير وهو أن فوز سوريا وتأهلها لكأس العالم في روسيا سيطيل فترة استعصائها على التقسيم الذي تريده إيران، ويبقيها دولة واحدة كما تريد روسيا، ولو بالوثائق لمدة سنة تقريباً. أما لو خرجت من التصفيات فإنه من المحتمل جداً تسارع تقسيم سوريا، إلا لو حدثت معجزة بتوحد السوريين.

بغضِّ النظر عن كل هذه الآراء، إلا أنه من الواضح أن السياسة والرياضة بينهما علاقة لا تنفك، خاصة من وجهة نظر ملالي إيران الذين لا يرون سوريا إلا باعتبارها المحافظة الخامسة والثلاثين، بعد ضمِّ العراق واليمن ولبنان لمحافظاتها الأصلية، وبالتالي فإن ترشح إيران لكأس العالم هو المعبِّر الوحيد عن تطلعات كل شعوب هذه المحافظات.

كرة التقسيم اليوم قد وقفت عند نقطة ضربة الجزاء، وتستعد إيران لركلها.

هذه الكرة لم يعد يستطيع صدَّها اليوم إبراهيم عالمة، ولا عبد الباسط الساروت، ولو وقف كلاهما في المرمى في مواجهة كابتن إيران أشكان دجاغه.

هذه المهمة تستدعي اليوم الشعب السوري برمّته ليقف حائط صدٍّ في المرمى، فهو وحده القادر بعد الله على إيقاف كل ما يُحاك ضد سوريا.

على السوريين جميعهم الانتباه لما هو قادم، فقد أوشك الزمان أن يكون هناك سوريون ولا تكون هناك سوريا.

من لم يصدق أن حدوث ذلك ممكن، فلا ينظرنّ أبعد من شركس سوريا. فقد كان هناك يوم عاش فيه الشركس في شركسيا. أما اليوم فهناك شركس، لكن ليس هناك شركسي.


ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

استفتاء كردستان من الداخل

$
0
0
ظهرت مؤخراً شهادات تاريخية متتالية لثلاثة قادة كرد ذوي رؤى سياسية مختلفة، وضمن الإطار السياسي العام لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني. "لقاء العمر" عنوان الكتاب الحواري الذي أجراه صلاح رشيد مع الرئيس العراقي السابق جلال الطالباني، والمقابلة التفصيلية التي أجرتها قناة العراقية على حلقات مع ملا بختيار، مدير المكتب السياسي في الحزب ذاته، والمذكرات التي كان نوشيروان مصطفى (1944-2017) قد نشرها قبل وبعد انشقاقه عن رفيق دربه مام جلال، وتحوله إلى زعيم معارضة داخلية لم يتقدم برنامجها على البرنامج السياسي للحزب الأم.

اطلعت بحكم عملي في الإعلام المركزي لهذا الحزب لأكثر من عقد من الزمن، على التفاصيل التي أسست التناقضات الراسخة في بنية الحركة الكردية في كردستان العراق، وكذلك على التسويغ التاريخي والنفسي والثقافي لاستمرار هذه التناقضات، وقد أضفت مذكرات هؤلاء القادة الكثير إلى الصورة التي نعايشها الآن في طبيعة ردود الأفعال الكردية المتباينة والمتعلقة بعملية الاستفتاء.

بادئ ذي بدء، يجب الإشارة إلى أن معظم ما كتب في الإعلام العربي عن طبيعة الواقع السياسي والصراع بين القوى الكردية، يفتقر إلى النسق التحليلي للمعلومات العامة التي تستنسخها المقالات عن بعضها، ناهيك عن عدم دقة المعلومات المتعلقة بالتركيبة العائلية وخلافاتها الداخلية للسلطة الكردية، وهذا الخطأ في المعلومات وغياب النسق التحليلي يشمل أيضاً وضع الكرد الفيليين/ أو شيعة الكرد، وكذلك الكرد البغداديون وتأثيرهما كنسق كردي خارج جغرافية كردستان.

منذ الانتفاضة الكردية 1991 التي منحت كردستان أماناً ضد عمليات الإبادة الممنهجة التي كان البعث يرتكبها تباعاً، ومروراً بالحصار والحرب الأهلية الكردية التي أوقفتها عسكرياً اتفاقية واشنطن 1998، وصولاً إلى إسقاط نظام البعث 2003، وما تلاها من صدمة اقتصادية مباغتة أنتجت احتكارات مالية كبيرة داخل الأحزاب الكردية الحاكمة، لم يظهر أي مشروع ثقافي أو سياسي مناهض لبنية الحرب الأهلية التي تباركها القوى الإقليمية التي تتقاسم العراق كمجال لنفوذها المذهبي. كل فعل سياسي يظهر داخل كردستان العراق ويتعلق بقضايا راهنة، ينطلق أساساً من زمن آخر مجمد لذاكرة اقتتال غير متقادم، يتنافس عاملان على تحصين هذه الذهنية من التغيير: سياسي يستثمر في الشرخ المجتمعي لتكريس سلطة ما زالت ترمز جغرافيا إلى حدودها المتعلقة بحدود الحرب الأهلية، وثقافي هش يمنح التفكك المجتمعي والتنابز السياسي زيفاً ثقافياً بعبارات متناقضة.

ليست ثرية المجتمعات التي تفتقر إلى التماسك في تمثلها لنفسها، بل وإنما تزيد من عوامل تفككها المفرط، وتصبح متضمنة على قوى طاردة بتعبير الجغرافية السياسية، ما يحول المجتمع إلى فضاء غير متجانس، أكثر تنابزاً وأكثر عجزاً على بناء نفسه كمجتمع ذي هوية، كانت هذه عقبة التخطيط الدستوري المتعلق بأفغانستان التي عكست في برلمانها حضوراً لثلاثمائة طيف متخاصم، وهي مشاكل متجذرة في اشتغال المجتمع الكردي في كردستان العراق على قضاياه السياسية والاجتماعية، وقد قدمت الأقلام الموزعة على القوى السياسية المتعارضة، وصفات فقيرة ثقافياً لشحذ الكراهية داخل المجتمع وجعله مزهواً بافتقاره إلى القدرة على الالتفاف حول مصير مشترك.

على غرار الحالة اللبنانية تحولت الكراهية في كردستان العراق إلى ملف مستقل ومنتج لمعضلات مركبة، ثمة تباه بالكراهية داخل الإعلام والأوساط الثقافية والشعبية. الكل أجانب بالنسبة إلى فكرة الانتماء، وللمفارقة تميع الثقافة الاستهلاكية السائدة كل خصوصية ممكنة، وتخصص قيمة الشيء في أجنبيته؛ الطعام سوري والتجميل لبناني والكافتريات أوروبية والأبنية خليجية.

وقد تكررت عبارة غريبة في بعض شعارات حركة التغيير بداية ظهورها 2011 "سليمانية فوق الجميع وتطهيرها من الدخلاء"، على غرار ألمانيا فوق الجميع للحزب النازي، وسوريا فوق الجميع للحزب القومي الاجتماعي بقيادة أنطوان سعادة.

ثمة تأصيل للكراهية في السعي لجعلها تاريخاً سياسياً للمدن الكردية، لا يجوز قبول أي شيء يقدمه الخصم السياسي، حتى لو كان ينصب في مصلحة جميع الأطراف المتهيكلة داخل العملية السياسية؛ لذلك لا تظهر فكرة الصالح العام؛ لأنها تفتقر إلى مرتكزات تأسيسها ثقافياً وسياسياً.

أزمة الهوية هي المعضلة المغيبة عن النقاشات المتعلقة بالاستفتاء، والانقسام الحدي بين الرفض والقبول مركب من عدة تعارضات، تقود حركة التغيير التوجه المناهض للاستفتاء على مستويين؛ أحدهما يقوده المنسق الجديد للحركة عمر سيد علي، الذي لا يملك ـ لحداثة منصبه ـ أن يغير أي شيء في سياسات الحركة التي صكها المرحوم نوشيروان مصطفى ضد حزب بارزاني، والآخر ظهر فجأة من قبل مليونير شاب لا مكان له في الخارطة السياسية سوى ما يسنده مالياً، ودعم قوة القيادات الخفية التي جعلته واجهتهم.

أعلن المليونير شاسوار عبد الواحد عن تأسيس جبهة مناهضة الاستفتاء داخل حركة التغيير، تدعم الجماعة الإسلامية بزعامة علي بابير هذا التوجه، وفقاً لمسوغات يجوز تداولها إعلامياً دون حرج وترقيتها إلى مستوى الوقائع المعرقلة لعملية الاستفتاء، غير أنها مسوغات تضليلية أكثر من كونها حقائق سياسية؛ إذ لا يوجد نزاع أيديولوجي في كردستان، بل وإنما لاعبون متناظرون يتصارعون على السلطة وملحقاتها الاقتصادية.

لا تتأسس الهوية من تعارضات، بل من تلحيم بعض السرديات المتعلقة بالرموز المشتركة وضرورة القراءة الخاطئة للتاريخ لنسيان النسق الثأري -اقتباساً من آرنست رينان- وإنتاج بدائل ثقافية قادرة على تدوير عملية إنتاج المجتمع لنفسه، آنذاك تبدأ فكرة الصالح العام بجبر الكسور.

لا يقرأ العمل المعرفي في كردستان العراق مجتمعه بشفافية، بل يسعى لحشره في أنماط سلوكية متناقضة وخاصة بمجتمعات ليس في كردستان ما يشابهها، ولم يقدم للمجتمع بديلاً ثقافياً عن إرث الكراهية. على العكس مما تفعله مجتمعات أخرى في سعيها للتخلص من نسق الثأر.كتجربة رواندا وحكومتها التي بدأت من الحضانة والسينما مشروع المسامحة.

الإستفتاء سؤال هوية قبل أن يكون مشروع دولة كردية، ولا يجوز الخلط بين الحق في الهوية السياسية في إطار فكرة الدولة، وبين سؤال القدرة على بناء دولة مدنية مجردة من تاريخها الذي منح القوى العسكرية بالزي المدني مكانتها الراهنة في المشهد الكردي، فالأحزاب الكردية ولدت من البندقية وليس من الكلمة، مع ذلك يبقى حق الكرد في الدولة متعلقاً بالتجريد الخاص بالحق الإنساني في التعيين السياسي، ومحاولة إلحاقه بحزب ما أو فساد السلطة الكردية محض تضليل.

قد لا تتكرر مرة أخرى تزامن كل هذه المعطيات التاريخية التي تجعل الاستفتاء ممكناً، دون الإحالة إلى الموقف الإقليمي الذي لم ولن يتغير أبداَ لذلك، وقد لا يكون رفض الاستفتاء خياراً متاحاًً كما قال القيادي ملا بختيار، سيأتي جيل كردي لم تدمغه الحرب الأهلية بخشونتها متحرر من ضرورة أن يكون كارهاً لغيره، حتى يكون فاعلاً سياسياً، جيل لا يربط مصيره بالشعبوية والقبلية السياسية، بل بالارتقاء بانتمائه إلى مستوى حقه المشروع، في أن تكون له دولة تُمثله وتحترم كرامته.




ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاهد وصور غير مقبولة في الحج

$
0
0
- تسييس الحج:

وإن أسوأ ما كان يُنتظر في تاريخ الأمة الإسلامية أن تتفتت إلى دويلات قُطرية ضعيفة ومتناحرة، ثم يكون الحرم المكي والمدني في حيازة إحداها، فتمنع عنهما ما تريد، وتسمح بزيارتهما لمن تريد، في أبغض صورة من صور التناحر السياسي بين المسلمين.

لقد منعت المملكة كثيراً من الشخصيات المسلمة من زيارة البيت الحرام والحرم النبوي لمجرد الاختلاف في التوجه السياسي.

ولقد أعادت يوما -على سبيل المثال- الشيخ راشد الغنوشي مؤسس الحركة الإسلامية السياسية التونسية من على حدودها، وها هي تمنع اليوم القطريين من ذلك، وفي العام الماضي منعت الإيرانيين.

الفكرة التي تُطرح حول تدويل الحرمين فكرة تستحق البحث والدراسة والنقاش، وخصوصاً بعدما ظهر عوار السلطات الحاكمة في المملكة العربية، وعوار توجهاتها الحديثة، وممارساتها الجديدة في فضاء السياسة العربية والإسلامية والعالمية.


- الاختلاط الشائن:

الاختلاط بين الرجال والنساء ممنوع في شريعة الإسلام إلا في ضرورته القصوى، والضرورة تقدّر بقدرها.

فالله -عز وجل- الذي خلق الرجل والمرأة وخلق فيهما الشهوة والرغبة، هو الأعلم بمدى سطوة هذه الشهوة وتأجّجها، ولذلك فتح لها باباً واحداً هو باب الزواج الشرعي، وسد عليها كل أبوابها الأخرى، فحرم الزنا ولوازمه ومقدماته وحرم النظرة وحرم الاختلاط.

ولا نجد عبادة يُقبل فيها الاختلاط بين الرجال والنساء إلا في عبادة الحج والعمرة، وذلك لاستحالة عدم الاختلاط، فالمناسك واحدة، والزمن واحد، والأعداد هائلة وغفيرة.

لكن مع ذلك، يبقى إطار الإسلام العام في عدم الاختلاط حتى في الحج والعمرة، وتجنبه ما استطاع الرجل والمرأة إلى ذلك سبيلاً.

وليس مقبولاً أن يتهاون الناس في ذلك إلى حد التلامس بالأجساد، بل والتلاصق في بعض الأحيان.

لا بد أن نحافظ على هدي الإسلام وتوجيهاته على كل أحوالنا إلا في حالة الضرورة القصوى.


_ التعرّي من الرجال:

لقد أمر الإسلام بالتستر، وجعل اللباس لذلك وحرم التعري من الرجال ومن النساء، ولا يوجد دين سماوي أو وضعي يُعنى بالتستر مثلما يُعنى الإسلام.

وفي الحج جاء في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يكشف الحاج عن منكبه الأيمن في طواف القدوم، وهو ما يسمى بالاضطباع، وفيما عدا ذلك يجعل الحاج رداءه على كلتا كتفيه.

وليس من السنة أن يكشف الحاج عن كتفه طوال حج، وليس من السنة ولا من المقبول أن يتعرى الحاج أكثر من ذلك، فيتساهل بعض الرجال في كشف أعلى أجسادهم، وفي الحج نساء، ورؤية أجساد الرجال عارية مما يفسد عليهم حجهم، والستر خير كله.


- التزاحم والحدّة:

ملايين الناس يحجون إلى بيت الله الحرام، وهي صورة من التجمع البشري الذي ليس له نظير، فيجتمع الناس في صعيد واحد، ويعمدون إلى أفعال واحدة في وقت واحد. ولذلك فالتزاحم في الحج هو مما لا سبيل إلى اتقائه مهما وُسّعت المناسك ومهما أنشئت المنشآت والمرافق.

ومن حسن حج الحاج أن يلين لإخوانه المسلمين، وأن يرفق بهم، فلا يزاحمهم بشدّة وحدّة.

وإن من أسوأ الصور أن ترى حجيجاً جاءوا لإرضاء الله من أقصى الأرض، ثم لا تراهم إلا غلاظاً شداداً غير هيّنين ولا ليّنين.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابن مسعود: (من كان هيناً ليناً سهلاً قريباً حرمه الله على النار).


- النظافة:

الأعداد الكبيرة للحجيج تستدعي المحافظة الشديدة على النظافة من جميع جوانبها من الأفراد ومن منظمي عملية الحج والقائمين عليه على السواء.

وإن من الصور التي نراها ولا نرضى عنها، صورة الحجيج يوم عرفة، والشوارع مملوءة بمخلفاتهم إلى حد قبح الصورة ودمامتها.

وقد حكى لي بعض مَن حج عن أنه كان يرى غائط البعض من الحجيج في أرض عرفة.
وهذا أمر لن ينضبط إلا بتكامُل بين الحجيج وبين السلطات المديرة لعملية الحج.
وكما نرى عملية النظافة وإدارتها على أكمل وجه في الحرمين، فيجب أن نراها كذلك في بقية المناسك.


- يوم عرفة والغفلة الشديدة:

في صحيح مسلم، عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء).

وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة، فيقول: انظروا إلى عبادي، أتوني شعثاً غبراً) رواه أحمد.

وفي الموطأ، عن طلحة بن عبيد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له).

ومع كل ذلك الفضل الوارد، نجد بعض الصور للغفلة الشديدة في هذا اليوم وفي أرض عرفة، إلى حد أن يحكي البعض عن بعض الحجيج وقد افترشوا الأرض في عرفة بألعاب يتسلون بها لإمضاء اليوم، وبعضهم يدخّنون ويشربون (الشيشة) ويجتمعون عليها.


- حج الأمراء والسادة والتفرقة بين الناس:

شرع الله عباداته لأغراض كثيرة، ومن أهم هذه الأغراض تأكيد المساواة بين الناس جميعاً، فلا فرق لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.

فيصطف الناس صفاً واحداً في الصلاة، ويجتمعون معاً لأداء الحج دون تفرقة على أساس اللون أو العِرق أو المكانة.

إلا أننا نجد صورة دميمة من صور التفرقة اصطنعتها السلطات القائمة على ترتيب أمور الحج، فنجد حجاً خاصاً للملوك والأمراء وعِلية القوم، حجاً تفرغ له السلطات الناس من المناسك من أجل حج أكثر راحة وأكثر رفاهية.

ألا ما أبأس الناس حين يغفلون عن حكمة الله في تشريعاته وعباداته، ويصرون على تجاوز روح الإسلام الكبرى، المساواة بين البشر جميعاً وعدم التفرقة بينهم لمال أو لسلطة أو لعِرق أو للون.





ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

حُب على بصيرة

$
0
0
متى يكون الحب حقاً إلى الأبد؟!

بالحديث عن الحب، أرى أن الحب الحقيقي، الدائم الأبدي.. هو حب نابع من العقل والعقل أولاً.

قد يُستَغربُ أن أقول ذلك، فالحب محله القلب كما نؤمن جميعاً، وهو كذلك حقاً.. لكن استقرار هذا الحب في القلب لا يكون إلا باقتناع العقل تماماً.. (تماماً) بهذا الخيار.. يوقِّع العقل أوراق الموافقة ويحيلها إلى القلب ليقوم بمهمته التي نُحب.. ما لم يوافق العقل أولاً، ما لم تمر عليه ورقة الموافقة.. فغالباً ما يؤول هذا الحب إلى الضمور.. علينا ألا ننسى أن العقل له السلطة الأكبر.. ومهما تعالى عليه القلب وتجاوزه فمصيره آخر الأمر أن يرضخ لأوامر العقل.

فكيف نحب بعقولنا أولاً؟!
"ضع معايير واضحة"، عليك أن تعرف تماماً ما الذي تريده وما الذي لا ترغبه.. ارسم خطوطاً عريضة حمراء لا تنازل عنها، وأخرى قابلة للتفاوض.

كيف تكون قادراً على كتابة هذه المعايير؟
" أن تعرف نفسك أولاً"، "أن تحب نفسك وتقدرها أبداً".

اعرف نفسك تجد احتياجك، قدر ذاتك تختَر مَن تستحق ويستحق.. فكر كثيراً واقرأ كثيراً.. أعلِم أهلك برغبتك وأحلامك.. تحدث عن أحلامك بصراحة حين الحديث عن الزواج أو عن الشريك.. انطلِق في وصف الشريك المأمول.. "لا شيء يدعو إلى الخجل أو التحفظ"!

"ثِق بالله"، "لا تبنِ ظنَّك بالله على المعطيات الدنيوية".. الله أوسع من ضيق نظرتك، وأرحم من قسوة حالك، وأكرم من شحّ تخيلك.. حين تتعامل مع الله تعامل بثقة مطلقة وأمل عالٍ وتسليم كبير متناهٍ، ثم "ادعُ الله"، ادعُ الله ولو كنت لا تخطط للارتباط قريباً.. الدعاء لا يعني أن الشريك سيقف على الباب غداً، سيأتي في وقته، فلا تؤجّل التفكير ولا الدعاء.

يأتي سؤال جدلي: "أكره هذا النوع من الأسئلة"، أيهما أفضل؟! الزواج عن حب، أو الزواج التقليدي؟!

المفاضلة هنا خاطئة، ولا يمكن أن يكون أحد الخيارين إجابة صحيحة.

الإجابة باختصار: متى ما وُجدت المعايير، وُجد القبول، فالانسجام، فالحب.. فالأبدية.

فإذا تم الزواج بطريقة تقليدية، وكانت الفتاة مثلاً لديها معاييرها الواضحة جداً، التي أعلمت بها ولي أمرها فعاونها على إيجاد شخص مناسب تماماً لطلبها، فإن هذا العريس سيأتي ليحل في قلبها محله تماماً، محل فُصل على مقاسه.. فلا يدقّ قلبها إلا له.

وكذلك الزواج عن حب، ستلتقي بالشخص الصحيح في المكان الصحيح، فيتجه لخطبتها ليبقى في قلبها.. في مكانه تماماً.

لا يمكن لصاحبة عقل وذات معايير أن "تسقط" في حب شاب لا يناسبها.. السقوط لمن لا يبصر.. أما نحن فنحب على بصيرة.. ونسير إلى الحب بخُطى ثابتة.





ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مصر والسودان "هتّة واهدة"

$
0
0
بمناسبة الخلاف المصري - السوداني على مثلث حلايب وشلاتين، تحضرني "نكتة" كانت تتردد في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، مفادها بأن مجموعة من السودانيين "الأحرار" خرجوا في مظاهرة مساندة للزعيم الخالد جمال عبد الناصر - المتسبب الرئيسي في انفصال السودان عن مصر - متخيلين أنه مع وحدة وادي النيل، وكانوا يهتفون بحماسة السودانيين المعهودة (مصر والسودان "هتة واهدة").

وفي خضم هذا الجو الانفعالي الرائع، نتش نشال مصري محفظة أحد السودانيين وانسل هارباً.

بعد لحظات اكتشف السوداني مصيبته فأخذ يهتف باكياً: "مصر والسودان هتتين.. مصر والسودان ألف هتّة!!" فانفض الجمع ضاحكين.

مصر والسودان فعلاً كيان واحد تسبب العسكر في انفصام عُرى وحدته؛ ففي سبيل رضا بريطانيا عن انقلاب يوليو/تموز ١٩٥٢، وانسحابها من قناة السويس، اشترطت أن يقبل نظام الجنرالات التخلّي عن السودان، وهذا ما تم بالفعل! فمصالحهم أهم من أي حدود وأي وحدة، رغم أن النحاس باشا (الإقطاعي العفن برأي الإعلام الناصري) رفض التخلّي وبشدة عن السودان ضارباً كل الضغوط والإغراءات عرض الحائط، أثناء مفاوضاته مع بريطانيا للجلاء عن مصر.

ما يحدث الآن من صراع بين عسكر مصر وعسكر السودان على مثلث حلايب وشلاتين ما هو إلا عهر سياسي لا طعم له ولا لون، فحلايب وشلاتين ليست مصرية ولا سودانية أيضاً؛ بل هي عربية مصرية سودانية، ولا يمكن أن يكون عسكر مصر أمناء عليها بعد أن فرطوا في أم الرشراش لصالح إسرائيل وجزيرتي تيران وصنافير لصالح السعودية، وسبقهم عسكر السودان عندما فرطوا في جنوب السودان بكل بساطة، ولولا تدخّل قطر لضاعت دارفور أيضاً، فلا هؤلاء ولا أولئك أمناء على تراب أو وطن.

الحل برأيي أن يوضع المثلث تحت إشراف الأمم المتحدة لتجري انتخابات حرة نزيهة بعيداً عن التزوير المعتاد عليه في البلدين؛ لتفرز حكومة ديمقراطية، وأنا على يقين بأنها ستقود المثلث الفقير في موارده وإمكانياته إلى تنمية حقيقية وازدهار اقتصادي غائب عن مصر والسودان منذ عقود، فغياب الديمقراطية يؤدي بالضرورة لانعدام الحرية والفساد، وهذان بالتأكيد سيؤديان إلى الفقر والجهل اللذين نشاهدهما في هذَين البلدَين العزيزَين.





ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تمويل مشاريع الطاقات المتجددة.. الإشكالات والحلول

$
0
0
تطرح ظاهرة التغيّرات المناخية إشكالية بيئية كبيرة لم يعُد ممكناً التنكر لها أو تجاهل أثرها؛ إذ تغير المفهوم الذي ينظر إلى تغيّر المناخ على أنه قضية بيئية أو علمية فقط، وأصبح الآن يعتبر قضية أمن قومي وعالمي.

إنه الآن قضية تهم العالم أجمع، الأمر الذي فرض على مختلف بلدان العالم دون استثناء أن تأخذها بعين الاعتبار وهي تضع سياساتها الطاقية والاقتصادية والبيئية والاجتماعية والثقافية.

فكل دول العالم أصبحت اليوم معنية بشكل مباشر بإيجاد حل طويل الأمد لمعالجة إشكالية التغيّر المناخي، خاصة أنه تبين من خلال مختلف الدراسات العلمية أن متوسط درجة حرارة الكرة الأرضية قد يرتفع بمقدار أربع درجات مئوية إذا لم تكن هناك تخفيضات في انبعاثات الغازات التي تسهم في آثار الدفينة الحابسة للحرارة.

منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لن تكون استثناء ضمن هذا التهديد، بل إنها تعد من أكثر المناطق تأثراً بالتغيرات المناخية؛ إذ شهدت ارتفاعاً شديداً في درجات الحرارة في العقود الماضية، وستواجه ارتفاعاً غير مسبوق للحرارة مستقبلاً، مما يزيد من انتشار ظاهرتي الجفاف والتصحر اللتين تعاني منهما معظم الدول العربية تقريباً، ومن المتوقع أن تزيد درجات الحرارة في فصل الصيف ثماني درجات مئوية في أجزاء من الجزائر والمملكة العربية السعودية والعراق بنهاية القرن الحالي على سبيل المثال.

فحسب أحد التقارير السنوية للمنتدى العربي للبيئة والتنمية تبين أن الدول العربية سوف تتأثر بشكل متفاوت بتداعيات التغير المناخي.

والدول العربية التي تقع على سواحل البحار والمحيطات هي الأكثر تأثراً بتداعيات التغير المناخي، فحوالي 12% من الأراضي الزراعية في دلتا النيل في مصر هي في خطر من ارتفاع مستويات البحار متراً واحداً، وتزداد هذه النسبة إلى 25% مقابل ارتفاع مستويات البحار 3 أمتار.

وفي لبنان بدأت مساحات الغابات بالتقلص من 36% إلى أقل من 14% من إجمالي مساحة البلاد.

وفي الأردن تتفاقم مشكلة مياه الشرب بسبب نقص الأمطار، مما يضع المملكة ضمن أفقر الدول مائياً عالمياً.

كما أن العاصمة الموريتانية نواكشوط مهددة بالغرق من مياه المحيط وبالتصحّر المتزايد، أما في اليمن فقد تقلصت مساحة الرعي بسبب زحف البحر وزيادة ملوحة التربة.

كل هذا يجعل من بلدان وحكومات المنطقة المعنية الأولى والأكثر حاجة للبحث عن حلول جذرية لمواجهة هذه الظاهرة والحد منها، كما أنها الأكثر حاجةً للبحث وتشجيع أي توجه إقليمي أو عالمي يروم الرفع من حجم المشاريع الخضراء والمشاريع غير ملوثة للبيئة والبحث عن تمويلات واستثمارات في هذا المجال.

وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن حجم الاستثمار العالمي السنوي في العام 2015 في مجال الطاقة المتجددة بلغ 266 مليار دولار أميركي، وهو يفوق ضعف ما تم استثماره في محطات الكهرباء العاملة على الفحم والغاز، والتي بلغت 130 مليار دولار، على الرغم من انخفاض أسعار الوقود الأحفوري؛ حيث بلغت قيمة الاستثمارات في الطاقة المتجددة منذ العام 2004 حوالي 2.3 تريليون دولار، فهذا يفتح مجالاً وآفاقاً اقتصادية واعدة وكبيرة لاقتصاديات المنطقة.

وبما أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي المستحوذة على الجزء الأكبر من حجم الطلب الجديد على الطاقة المتجددة في المستقبل فهذا يجعل منها محط اهتمام متزايد في هذا المجال، وفي هذا الصدد فبإمكان دول وحكومات المنطقة الاستثمار والرهان مستقبلاً على وتمويل مشاريع الطاقات المتجددة، وذلك عبر التركيز على بعض الحلول والتدابير التي من الممكن أن تساهم على هذا الأمر، ومنها:

1- التعويل على بنوك التنمية بالمنطقة:

بإمكان مختلف بنوك التنمية الموجودة بالمنطقة العربية أو حتى خارجها أن تلعب دوراً كبيراً وحاسماً في تمويل المشاريع التي تعود بالفائدة على التنمية والبيئة.

حيث يمكن في هذا الإطار تعزيز نماذج التنمية التقليدية المستخدمة في تمويل مشاريع البنية التحتية الكبيرة لتسريع عجلة اعتماد تقنيات الطاقة المتجددة وتوسيع نطاق انتشارها وتكرار التجارب الناجحة في بلدان مختلفة.

إذ يمكن أن تلعب بنوك التنمية دوراً مهماً في تصميم الأدوات المالية التي تسمح للمستثمرين من القطاع الخاص بالمساهمة في مكافحة تغير المناخ.

ولكن التحدي الذي يواجه التمويل اليوم لم يعد يقتصر على الكم، فبرغم أن المصادر المحتملة لتمويل مشاريع التنمية الرحيمة بالبيئة تشمل الآن صناديق التقاعد وشركات التأمين والمؤسسات وصناديق الثروة السيادية، فإن الأمر المفقود في كثير من الأحيان هو الآليات الكفيلة بضمان توجيه الاستثمارات إلى مشاريع مستهدفة بعناية وتتسم بالفاعلية.

2- السندات الخضراء أو "سندات "المناخ":

هي أحد الحلول التي يعول عليها كثيراً لتمويل العديد من المشاريع الخضراء في العالم؛ حيث تتسم السندات الخضراء بالدخل الثابت، وبكونها أدوات مالية يسهل تسييلها، كما يقتصر تخصيص الأموال التي تدرها على مشاريع التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه هذه الآلية تتمتع بكل خصائص السندات التقليدية، ولكنها مدعومة بالاستثمارات التي تساهم في التنمية المستدامة أو مكافحة تغير المناخ.

إذ تعد السندات الخضراء آلية فاعلة يمكن أن تلعب دوراً كبيراً في جهود مكافحة الظاهرة.

كما أن الدول العربية بإمكانها الاستفادة من التجارب العالمية في هذا المجال، ومنها البنك الدولي، وولاية ماساتشوستس الأميركية، ومنطقة إيل دو فرانس الفرنسية، ممن تصدر هذا النوع من السندات.

ومما يزيد من ارتفاع أسهم هذه الآلية مستقبلاً هو تعهد صناعة التأمين بمضاعفة استثماراتها الخضراء إلى 84 مليار دولار أميركي بحلول نهاية عام 2015. كما توقع بعض الخبراء ضخ مبلغ 100 بليون دولار من هذه السندات في الأسواق المالية حول العالم، ولا يستبعدون أن تتجاوز القيمة الإجمالية لإصدارات هذه السندات حول العالم 220 بليون دولار عام 2020، وإلى جانب المستثمرين الدوليين، يستعد المدخرون من الطبقات الوسطى لشراء السندات الخضراء التي باتت تستقطبهم.

وبالفعل فهناك العديد من البلدان العربية ممن ذهبت في هذا الاتجاه، ففي المغرب أصدر البنك الشعبي وهو أحد البنوك الخاصة سندات خضراء بقيمة 135 مليون يورو، وهو الأول من نوعه في القطاع البنكي بإفريقيا، وهو كما جاء على لسان مدير البنك خطوة تروم الرفع من تمويل مشاريع الطاقة المتجددة الساعية لخفض انبعاثات الغاز.

في اليمن كذلك فقد جمعت سندات حماية الغابات التي استمر العمل عليها ثلاثة أعوام 152 مليون دولار من مؤسسات استثمارية مثل صناديق معاشات التقاعد بهدف مكافحة التصحر.

الأمر نفسه أيضاً في منطقة الخليج فقد أصدر بنك أبوظبي الوطني أول سندات خضراء من منطقة الخليج ليجمع 587 مليون دولار لتمويل مشاريع مكافحة تغير المناخ؛ إذ سعى‭ ‬هذا البنك‭ ‬إلى‭ ‬لعب‭ ‬دور‭ ‬ريادي‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬مستقبل‭ ‬الطاقة،‭ ‬حيث‭ ‬قام‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬بتشكيل‭ ‬فريق‭ ‬متخصص‭ ‬في‭ ‬الأعمال‭ ‬المستدامة،‭ ‬كما‭ ‬أصبح‭ ‬البنك‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬الذي‭ ‬يوقّع‭ ‬على‭ ‬اتفاقية ‭‬‮"‬مبادئ‭ ‬خط الاستواء".

كما أن السندات الخضراء أصبحت ضمن خطط البورصة المصرية المستقبلية للبدء في إصدارها، باعتبارها من الأدوات المالية الهامة التي تحظى باهتمام المستثمرين في العالم في الفترات الأخيرة؛ إذ إلى جانب كونها تساعد على تنمية المجتمع وحماية البيئة، ٍ فهي كذلك تساعد على جذب استثمارات أكثر، وفي نفس الوقت ستساهم بوضع البلد على خريطة الاستثمار الأخضر.

3- الفرص الاقتصادية الهائلة للدول:

الآفاق المستقبلية الواعدة للاقتصاد الأخضر يجعل منه أحد أكبر الفرص الاستثمارية المغرية للخواص وللحكومات؛ حيث يمكن للاستثمار في الطاقة المتجددة أن يفتح آفاقاً جديدة للتعاون بين الحكومات والمؤسسات المالية الخاصة، فالأخيرة يمكن أن تلعب دوراً ريادياً يغني الحكومات كاهل التكاليف الحالية المكلفة نسبياً.

فنظراً‭ ‬للفجوة‭ ‬الكبيرة‭ ‬بين‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬الطاقة‭ ‬وإنتاجها‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬سيشهد‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬تمويل‭ ‬مشاريع‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭ ‬نمواً‭ ‬متسارعاً‭ ‬خلال‭ ‬الأعوام‭ ‬المقبلة، فمن المتوقع أن تساهم مصادر الطاقة المتجددة في زيادة إجمالي قدرات توليد الطاقة الكهربائية بنسبة كبيرة مستقبلاً، كما أن الاستثمارات الخاصة بتقنيات الطاقة المتجددة أكثر من نصف إجمالي الاستثمارات في المشاريع توليد الكهرباء الجديدة في العالم، ويُعزى ذلك إلى الاستمرار المتزايد في انخفاض أسعار تقنيات الإنتاج، وازدياد الطلب من الدول النامية، إلى جانب تزايد الاهتمام من الحكومات لخفض الانبعاثات الكربونية من خلال توسيع نطاق الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة.

هذا الأمر يتيح فرصاً هائلة لاقتصاديات المنطقة، وبما يمكنها للاستغناء عن الأساليب التقليدية لتطوير أنظمة الطاقة والانتقال فوراً إلى الاعتماد على تقنيات متطورة وأنظمة لا مركزية أفضل أداء وأقل تكلفة، إلى جانب تطوير حلول تمويل أكثر ابتكاراً لتلبية المتطلبات المالية اللازمة لتحقيق ذلك.

فالتقنيات الجديدة أثبتت فاعليتها الكبيرة وبتكلفة معقولة مما يجعلها تعود بالخير على المستهلك وعلى الحكومات والمستثمرين كذلك، من خلال دورها المتوقع في تحقيق التوازن الاقتصادي وزيادة إمدادات الطاقة، ودفع عجلة التنمية المستدامة، ودعم جهود التنمية الاجتماعية.

لكن رغم كل ما سبق فهناك حاجة ماسة إلى إجراءات أكبر وأكثر جدية من أجل أن نتفادى الآثار الخطيرة لتغير المناخ.

إن التعامل مع قضية تغير المناخ بكفاءة، يستلزم أن نراها كجزء هام من مجهودات الأنظمة والشعوب لتحقيق التنمية المستدامة.

ويجب على الدول الغنية أن تحمل مسؤولية أكبر في هذا الشأن؛ نظراً لسهولة حصولها على مصادر طبيعية ثمينة.

كذلك فإنه من الضروري أن يكون العالم أكثر مساواة، الأمر الذي سيصب في مصلحة كل إنسان، الغني والفقير، وأهل الشمال وأهل الجنوب.

وإذا لم يتحقق ذلك فإن الآثار السلبية للتغيرات المناخية التي لا يمكن أن تعكس اتجاهاً سوف تضرب كل إنسان على وجه الأرض.





ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

بين منفى الحب ومهجر الزواج

$
0
0
بينما كنت أنتظر دوري في إحدى المؤسسات لإجراء معاملة رسمية، لفت انتباهي سيدة في مقتبل العمر كانت هي الأخرى تنتظر دورها، لكنها لا تعير للانتظار اهتماماً، وكأنها أدمنته منذ زمن، أو هو رفيقها الذي اعتادت عليه.. تبدو هادئة بعض الشيء، تبادلت معها أطراف الحديث، محاولة منّي للتخلص من طول انتظاري، والوقت الذي يمضي ببطء شديد؛ حيث كان يكتسيه حالة من الملل.

علمت منها أنها سيدة كانت مغتربة، فقد أمضت حياتها ودراستها في الخارج، وعادت إلى أرض الوطن للزواج، وأخبرتني أن زواجها لم يمضِ عليه سوى شهور قليلة، حينها قرر زوجها السفر لتكوين حياة أفضل.

وتستطرد في حديثها مع تنهيدة طويلة، وغصة ألم رسمت حالة الحزن والوحدة والكآبة التي رافقتها منذ رحيل زوجها، قالت لي: إنه سافر رغم استقرار وضعه الاجتماعي المادي فهو طبيب ناجح في عمله، ولم يكن هناك مبرر للسفر والرحيل، وقد مضى على غيابه خمسة أعوام دون عودة أو حتى إبداء أي نية للعودة.

الأمر الأكثر حزناً.. أن السيدة أخبرتني أنها كانت حاملاً في الشهور الأولى من زواجهما، وعندما سافر زوجها، أنجبت طفلها دون أن يراه والده، سألتها: ألم يكن يتواصل معك؟ قالت وهي تضحك باستهزاء: (كل سنة مرة).
سألتها مترددة..: ألم تفكري في طلب الطلاق غيابياً؟.. أجابتني بغرابة أن الطلاق لا يقدم ولا يؤخر شيئاً في حياتها.
وأفحمتني بعبارة أخرى حين قالت: (يا عزيزتي معظم السيدات في مجتمعنا مطلقات مع وقف التنفيذ).

في حقيقة الأمر، لم تكن هي القصة الأولى التي صادفتها وعايشتها من خلال علاقاتي الاجتماعية ومعرفتي بكثير من السيدات من خلال مجال عملي، فهناك الكثير من القصص بخلاف قصة تلك السيدة، يكون قدرها الارتباط بشخص قرر الرحيل والسفر بلا عودة دون أن يعيرها أي حق من حقوقها. هناك قصص رغم وجود الزوج إلا أن العلاقة الزوجية تبدو كما تحدثت هذه السيدة (طلاق مع وقف التنفيذ) نماذج وقصص كثيرة تجعلنا نفكر ونتساءل: لماذا معظم العلاقات الزوجية أصبحت باردة.. باهتة.. كئيبة وهشة؟

أغلبنا يعلم جيداً أن هناك الكثير من الأساليب والحلول للقضاء على الرتابة والملل في العلاقات الزوجية، كالتغيير في الشكل والأسلوب والذوق والأناقة وتقديم الهدايا وتبادل الكلمات الجميلة والمشاركة الفعالة فيما يحب الطرفان وتبادل الآراء ومواجهة المشاكل معاً والخروج إلى نزهة، وخلق حالة من الترفيه والكثير.. الكثير من الطرق والأساليب.

لكن السؤال الذي يتبادر إلى ذهني: لماذا رغم أن الأغلب يدرك كل هذه الأمور، إلا أنهم يفضلون البقاء في حالة الركود التي تصيب العلاقة الزوجية بعد فترة؟

يبقى البعض سجين الزواج ويعيش كأنه في مهجر أو حبس انفرادي، حتى لو اكتشف البعض أن الطرف الآخر وشريكه في العلاقة الزوجية ليس هو الشخص الذي عهده في بداية العلاقة، وأن هناك أموراً كثيرة تغيرت واختلفت وتكشف عنها النقاب، هل هذه مبررات قوية تدفع الطرفين للاستسلام إلى الرتابة والملل في العلاقة، وعدم إبداء أي محاولات للتغيير؟

ورغم أن المشاكل والخلافات تبدو أكثر خطورة على العلاقات الزوجية، فإن هناك البعض مَن يستطيع التغلب عليها.

وأعلم جيداً أن الطلاق آخر الطرق التي يمكن اللجوء إليها للتخلص من علاقة باهتة، أو علاقة تخللت بها المشاكل والخلافات، بحكم وجود أطفال أو نظرة المجتمع.

لكن ما هو أكثر ألماً وأعظم قسوةً وظلماً لأنفسنا هو أن نعيش في غربة هي الأصعب على الإطلاق دون الرغبة في محاولة للتغيير، فلا غربة أشد من غربة أنفسنا، وأن نعيش بين مهجر الزواج ومنفى الحب.






ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

الخيانة الفكرية بين الأزواج

$
0
0
الأهم من أن نحكي تفاصيلنا للآخر، وهي تفاصيل قد لا نجرؤ حتى على الحديث بها لأنفسنا، هو أن نثق أننا نضعها بين أيد أمينة، تعرف قيمة الاعتراف وتمجده.


تصلني رسائل واستشارات مختلفة كل يوم، لكن ما دعاني للكتابة عن هذه الرسالة تحديدا، هو معرفتي بأن الأمر يكاد يشبه الخيانة الفكرية والأدبية لمبادئ علاقة تأسست على التفاهم والثقة والتسامح وهو انقلاب على الفكر الذي أسس عليه طرفان علاقتهما، وتعارفا على مبادئها ضمنيا، ولهذا أشعر تماما بما تعانيه صاحبة الرسالة من ألم وخيبة وإحباط.

في رسالتها تشتكي إحدى السيدات من "انقلاب" زوجها عليها بعد فترة من زواجهما بسبب قصص وحكايات عن ماضيها روتها له بنفسها.

تقول هذه السيدة إنها تعرفت على رجل من سنها وأحبته وكانت بينهما ثقة وصراحة كبيرتان، مما دعاها إلى أن تحكي له كل ما مر بها من علاقات وخيبات ومشاكل مع رجال سابقين عبروا حياتها، وكان يبدي تفهما وتسامحا، بل وحاول أن يعالج آثار ومخلفات الماضي داخلها، عبر تحريضها على التسامح والنسيان وبدء حياة جديدة، كما كان حريصا على أن يخرج من داخلها المرارة المترسبة لتصفو روحها وحياتها لتجربة جديدة.

لكن الأمور انقلبت تماما بعد الزواج، وأصبح الرجل الذي سمعها وساعدها واستخرج من داخلها كل أسرارها، يستغل معرفته بأدق تفاصيل حياتها ليذكرها بها كلما جد خلاف بينهما، وقد يصل إلى السخرية والتهكم والاستهتار بمشاعرها ووصفها بنعوت غير لائقة.

النصيحة المتداولة غالبا وتتلقاها كل امرأة تقريبا من أمها وصديقاتها والمقربين منها هي "لا تحكي له كل شيء"، وهو ما يحصل في معظم الحالات تجنبا لمشاكل مجانية لا أحد ينتظرها. وقد يكون هذا حلا عمليا يوفر الكثير من الجهد والمشقة، لكنه لا يؤسس لعلاقة مفتوحة وصريحة ومتينة.

من حق كل طرف أن يعرف كل شيء عن حياة وماضي الطرف الثاني، لأنه في نهاية الأمر يريد أن يقترب من ملامح شخص سيقضي معه حياته، ويلمس روحه، وهذا أمر جيد لا محالة، فدون معرفة بعضنا البعض لا يمكن أن تمتد بيننا مشاعر حقيقية.

الأهم من أن نحكي تفاصيلنا للآخر، وهي تفاصيل قد لا نجرؤ حتى على الحديث بها لأنفسنا، هو أن نثق أننا نضعها بين أيد أمينة، تعرف قيمة الاعتراف وتمجده، وتقدر اختيارنا لها دونا عن باقي البشر لتكون موضع سرنا. اتفاق اليوم هو اتفاق الغد، فلا يجوز "الانقلاب" عليه أو استغلاله لاحقا لأي سبب أو دافع.

الأيام تتغير وسلوك البشر ومشاعرهم تتغير معها، وقد تصل المشاكل والخلافات إلى درجة يفقد فيها البشر حكمتهم وصبرهم وحصافة تفكيرهم، لكن هذه اللحظات الدقيقة، الصعبة، المعقدة هي ما يميز الأشخاص عن بعضهم ويضعهم على محك التجربة الحقيقية ويظهر معدنهم.

الاعتراف سمة العلاقات المتينة، العلاقات التي تنبني على صداقة حقيقية وحب حقيقي واحترام حقيقي، وتقارب فكري وعمق إنساني، وقد يكون من أجمل المراحل التي يمر بها طرفا العلاقة، لأن الذي يحدثك بما في نفسه دون خوف أو تردد أو توجس إنما يقول لك: أنت أنا وأنا أنت.

أي عودة عن هذا التعهد الضمني باحترام الاعتراف ودوافعه وشروطه هي خيانة مؤلمة وقاسية على الطرف الآخر، وأي إخلال بقانون يحكم علاقة ما، هو إخلال بجوهر العلاقة.

قد تكون خيانة الجسد مؤلمة، لكن خيانة الفكر والمبادئ أشد إيلاما، وأكثر أذى، بالأخص لمن يؤمنون بأن الحياة شراكة خالصة وصداقة بين زوجين، ولمن لا يجدون حرجا أو يخجلون من ماضيهم، ولمن يقدرون الخطأ الإنساني ويتعاملون معه على أنه جزء من إنسانية البشر وقيمتهم، ويبحثون عمن يشاركهم هذا الاعتقاد.


- تم نشر هذه التدوينة في موقع العرب


ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

رسالة مفتوحة إلى الدكتور عمرو خالد

$
0
0
الحمد لله، وبعد:

فقد رأيت تسجيلك اليوم.. فألفيتُكّ تردُّ على مخالفيكَ بأعذب لسان وأبلغ بيان، وأنبل خلق من غير تشنج ولا نزق.

وتأملتُكَ وأنتَ تضعُهُم في الحرجِ وتلبسُهُم ثوبَ الجناة بجميل قولك في مقابل قبيح فعالهم، ثم تأسرُ مريديك بذكر التدليس الذي وقع من شانئيك حين اقتطعوا دعاءك، ورموك بما أنت منه بريء براءة الذئب من دم ابن يعقوب!

فأدركتُ أنك لم تفهمْ شيئاً! ولم تتعلمْ من الحياةِ درساً.. وأنَّ التجربةَ لم تصقل وعيَك، والمعرفةَ لم تضبط -إلى الآن- وجهتَك.

أتدري؟
لست أدري بأي وجهٍ ألقاك ولا بأي لسانٍ أخاطبك!
أألقاك بوجه الحسين -عليه السلام- وأنا أذكرُ كيف كانت روحي تحلِّقُ معك وأنت تحكي قصص البطولة والرجولة حين أجمع أمره وتأبطّ سيفه.. وهو يعلم أن القتل مصيره المحتوم، وأنّ خذلان أهل الكوفة قدره المعلوم.. لكنّه أبى أن يقال يوماً: إن ابن بنت رسول الله كان شيطاناً أخرس، تهيَّب أن يقول للظالم: يا ظالم!

أو أن يقال: إن بضعة عليّ الذي نام يوماً على فراش النبيّ وهو صبيّ، قد التاعت وارتاعت نفسه عن استكمال سيرة أبيه ومسيرته حين أبى أن يكون أمرُ المسلمين ملكاً عضوضاً، ودُولَةً بين الأغنياء منكم!

أم أخاطبُكَ بلسان أحمد بن حنبل الذي كان يُضربُ بالسياط حتى يُغمَى عليه، ويُنخَسُ بالسيف فلا يحس، ونفسه الشماءُ تأبى عليه أن يرحم جسده من العذاب فليس للإمام أن يأخذ بالرخصة، ولكنك تجاوزت ذلك الموقف الرهيب المهيب؛ لأنه لا يناسب "دعوتك للتعايش"! ورحتَ تلتقطُ من سيرتِه ما يخدمُ فكرتك.. ثم أنت تستوحش غاية الاستيحاش وقوع خصومِكَ فيما وقعت أنت فيه، وهم ينسجون اليوم على منوالك!

أم أذكِّرُكَ بما ذكرتَهُ لنا يوماً من كلام عبد الله بن المبارك وهو يلهب بسياط شِعْرِهِ ضميرَ الفضيل ابن عياض:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا ** لعلمت أنك بالعبادة تلعبُ!
من كان يخضبُ خدُّه بدموعه ** فنحورنا بدمائنا تتخضبُ!
أتدري؟
لستُ أدري.. كيف طاوعتك نفسُك أن تنزفَ صوتك فوق منبرنا الجريح أياماً، وأنت تبثُّ في أرواحنا: "لا تستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه".. ثم إذا اشتدّ البأسُ، وحمى الوطيس، وجنّت ساعةُ قولِ الحقّ في ساحات الوغى عند سلطان جائر.. أمسكتَ لسانَك، وكففتَ جنانك، وطالبتَ غيرَكَ باجتناب الفتنة، وليتك حتى فعلت!

فكأني بك قد نسيتَ أو نُسّيت! فكثرةُ الكلامِ يُنسي بعضُه بعضاً.. وصدق عمر: من كثر كلامُه.. كثر سقطُه، ويبدو أنّك ما فهمت -على كثرة اطلاعك- لمَ؟ تعلَّقَتْ أفئدةُ المؤمنين بأحمد بن حنبل، ولمْ تتعلق بأحمد بن أبي دؤاد! وأنك ما فقهت -رغم سعة مطالعاتك- لمَ؟ ظلت الألسنة تلهجُ بالترحُّمِ على سيد قطب (رغم أغلاطه) بينما هي تلعنُ قاتليه!

أتدري؟
كلما تذكرتُ كلماتك وأنت تقول: كان الناسُ في الجاهلية يكنّون عَمْر بن هشام بأبي الحكم، وكنّاه الرسولُ صلى الله عليه وسلم بأبي جهل.. وكلما استرجعتُ محاضراتك وأنت تنقل لنا بشارة النبي لعمّار وسمية وهو يبثهما الأملَ في ساعة العسرة: (صبراً آل ياسر إنّ موعدكم الجنة) فيما ظلت الأفواهُ تردد وإلى قيامِ الساعة (تبّت يدا أبي لهب وتبّ) رغم رقة حال هؤلاء.. وانتفاخ أوداج أولئك!
فكلما قلّبتْ عليّ الذاكرةُ تلكَ الأحداثَ وهذه الأحاديث.. قلَّبتْ عَليّ المواجعَ وأسلمتني إلى الهموم، ورمتني في سويداء وجداني بسهمٍ لا أستطيع صرفه عني ولا تحويلاً.. فلا يكون مني إلا أن أضرب كفاً بكفّ وأنا أتمتم في حسرة: "يا حسرةً على العباد"!

أتدري؟
فيما كانت الفتيات المخمليات يتبارين إلى التصوير مع عمرو دياب على شواطئ الساحل الشمالي بمصر.. كانت صورة محمد أبو تريكة تحفرُ مكانها وتنقش مكانتها في نفس كل حرّ من المحيط إلى الخليج!

وبينما تطلعت الأبصارُ نحو مليارات بيل غيتس.. تعلقت النفوسُ بكلمات ستيف جوبز!
ويوم تحيرت العقولُ في عبقرية روبرت أوبنهايمر بعد أن كرمه كينيدي وجونسون.. قام هو بتسريب معادلات القنبلة النووية للاتحاد السوفييتي، ثم قرر أن يعتزل الحياة والأحياء حتى مات وحيداً شريداً

بل أزيدُكَ من الشعر بيتاً..
تعلقتْ قلوبُ الملايين بكارل ماركس رغم إلحاده! ولم يعرفِ -حتى حذّاقُهم- اسم كاهنٍ واحدٍ من كهان القياصرة رغم إيمانهم! وخلّد التاريخُ بحروفٍ من نور اسم مانديلا.. فيما لم يعرف أحدٌ اسم جلاديه! وتناقل الأحرارُ كلمات غاندي ولم يسمع أحدهم ركزاً لسجانيه! وآمن الباكستانيون بكلمات (ذو الفقار بوتو) يوم رفع هامته عنان السماء وهو يقول: "سنأكل العشب لكننا سنصنع القنبلة النووية"، فرد عليه هنري كيسنجر: "سنجعل منك أمثولة".. نجح كيسنجر في إعدام بوتو! لكنه فشل في منع باكستان من صنع السلاح النووي!

أتدري؟
بأي شئ أُعَزّي نفسي؟ وأنا أرى حَمَلَة الشهادات العلمية المزخرفة، والألقاب الشرعية المزركشة.. ثم هم يثنون صدورهم وألسنتهم ليستخفوا من الحق ومنا..
أعزّيها بأن بلالاً وهو يهتف تحت وطأة سياط العذاب في قيظ فيافي مكة: أَحَدٌ.. أَحَد.. لم يكن يعرفُ هل التوحيدُ قسمٌ واحدٌ أو ثلاثةٌ أو أربعة! وبأن خالداً لم يكن يحفظُ سوى قصار السور ثم حين أطل عليه الموتُ قال محزوناً مهموماً: ما في بدني موضع شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، وها أنا أموت على فراشي كما يموت البعير فلا نامت أعين الجبناء!

ربما هو لغزٌ، أو ألغاز لا يربط بينها رابطٌ، لكني أتركُ لكَ الاضطلاعَ بمهمة فكّ أسراره، وهتك أستاره، ومعرفة ماهيته وسبر أغواره، لعلك تفهمه يوماً!


ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

لماذا نجفل عن الحقائق المتعلقة بطعامنا، حتى ولو كان صعبة الهضم

$
0
0
نشأت في قرية صغيرة محاطة بحقول الأغنام والأبقار؛ لذا كان من الطبيعي أن أتبع النظام الغذائي "هايدي"، الذي يشمل الكثير من حليب الأبقار وشطائر الجبن وشواء الأحد، ولن أكذب عليك، لقد أحببت ذلك للغاية.

كنت بطيئة جداً في إدراك أن هذه الأبقار تأكل بسعادة في الحقول المحيطة بي، ربما تتحمل رعباً لا يمكن تصوّره قبل أن تصبح اللحوم التي تصنع هذه الأكلات الإسترلينية كمرافق لأطباق بودينغ يوركشاير التي تصنعها أمي.

على الرغم من ذلك، كانت مفاجأةً لي وأنا في السادسة عشرة أن أكتشف أنني لا لم أعد أريد أن آكل لحوم الحيوانات مرة أخرى. وكانت المفاجأة أكبر لأمي، التي كان ردها على اتجاهي النباتي الناشئ "لا بأس، ولكن بإمكانك طهي عشائك الخاص". تقبلت ذلك بعقلانية، وقمت بتخزين الخضراوات وكتب الطهي.

من الطرق الأخرى للتعبير عن استجابتي هي أنني كنت أملك لعبة تشاك عملاقة، أوقفتها أمام غرفتي وبكيت بشدة من كل هذا الظلم ومن أنانية أمي وعلى "الأبقار المسكينة".

ومع بهجة الإدراك المتأخر، عرفت أنه في ظل وظيفة بدوام كامل، ومنزل يجب إدارته، والتزامات العمل التطوعي، ووجود زوج وطفلين وأفواه أخرى تعتمد عليها يجب أن تطهو لها، فقد اتخذت أمي ببساطة خطوة معقولة لطهي وجبة صحية متوازنة، وإذا كان ذلك لا يعجبك - يا لَلأسف!

بعد المواجهة مع أمي، تغلب الكسل على اعتراضاتي الأخلاقية لبضع سنوات أخرى. ولكن، في مرحلة ما خلال الجامعة، توقفت عن تناول اللحوم. وقد ساعد على ذلك أن أفضل أصدقائي في ذلك الوقت كان نباتياً، ما يعني أن هناك سيريني الطريق، ولن يدعوني ساذجةً عندما أترك شطائر اللحم المقدد - أعظم علاج في العالم لتأثير الخمر.
وهكذا نجح الأمر وكنت شخصاً سعيداً لا يأكل اللحوم.

على مدى ما يقرب من 20 عاماً منذ ذلك الحين، ازداد ابتعادي تدريجياً عن اللحوم ومنتجات الألبان، وحالياً أتبع النظام النباتي الكامل، لقد حدث أمران نتيجة اتباعي النظام النباتي:

1- لم أشعر أبداً أنني أكثر صحة. 2- لم أتعرض من قبل أبداً لكلام سيئ بسبب اختيار بسيط لأسلوب الحياة.

أعتقد أن هذا متوقع - فغالبية المعلومات الهائلة التي تعرضنا لها على مدى الثلاثين عاماً الماضية على الأقل، أخبرتنا أن المنتجات الحيوانية يجب أن تشكل جزءاً أساسياً من نظامنا الغذائي، وقد افترضنا أن هذا صحيح. لذا، فنتيجة ذلك أن أي شخص لا يتبع تلك النصيحة يستحق أن نحمل له الضغينة.

الأمر كالتالي، لقد أكلت كذلك الغلوتين بسعادة بالغة لأكثر من 20 عاماً، ولسبع سنوات واجهت أعراضاً غامضة، وعشوائية على ما يبدو، بما في ذلك تساقط الشعر، زيادة وفقدان الوزن بشكل سريع، وأمراض اللثة، والأرق، وآلام المعدة الشديدة، والإمساك، والإسهال، والتهاب المفاصل والصدفية، ولم أفكر في أي وقت أن ما أضعه في فمي يمكن أن يسبب كل هذه الفوضى.

خمّن ماذا؟ لقد كنت مخطئة. اتضح أنني مصابة بمرض الاضطرابات الهضمية، والذي يجعلني واحدة من الأشخاص الذين لا يأكلون الجلوتين، المزعجين ولكنهم مرضى بالفعل. كان يوم التشخيص يوماً فارقاً، ففي غضون ثلاثة أشهر، عدت إلى كامل صحتي، وهي معجزة غذائية.

لذا بدأت في النظر بشكل جدي أكثر في المعلومات الغذائية التي كنت أتلقاها بصورة يومية، هل كان من المفيد أن ينشر قطاع صناعة البيض معظم المعلومات عن المتعلقة البيض، وصناعة الألبان عن الألبان وهكذا؟ بعد كل شيء، هؤلاء هم الخبراء.

ولكن، إذا قمنا بتسليط ضوء آخر على هذا الأمر، هل يمكن أن نسمي ذلك الدعاية؟ ربما علينا مقاومة الإغراء الكسول بالضحك في وجه آخر الأبحاث، التي تقول بأن اللحوم من مسببات السرطان. ربما يجب أن يكون الاحتياج إلى تثبيت كاميرات مراقبة في مجازر بريطانيا، بمثابة نداء تنبيه لنا، وربما القيام بما كنا نقوم به دائماً في مواجهة الأدلة الكثيرة الجديدة والمنقحة -أتجرأ وأقول- هو جهل.

سأعترف، أنا مثل كثير من الناس، وجدت أن "الصحة" تمادت قليلاً، ولكن، ربما ما نحتاجه هو دفعة عملاقة في الاتجاه النباتي لنعيد ضبط التيار إلى الصفر. ربما قضينا وقتاً طويلاً نفترض عميانياً أن المنتجات الحيوانية مفيدة لنا، بغض النظر عن وجهة نظرنا بشأن المسائل الأخلاقية التي تُثار، وبالتأكيد، من المفيد أن نكون أكثر تعليماً فيما يتعلق بما نأكله.



- هذا الموضوع مترجم عن النسخة الأسترالية لـ"هاف بوست". للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.


ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

الجانب الخفي للأمومة

$
0
0
لقد قضيت تسعة أشهر كاملة في رعاية حياة جديدة تنمو داخلك، اشتريت عدداً لا يحصى من قطع الملابس، ديكورات الغرفة ولعب الأطفال، قرأت جميع الكتب، وتعرفت على كل الخيارات المختلفة هناك وفوائد أنماط الأبوة والأمومة المتنوعة، كنت جاهزة ومستعدة، كنت متحمسة جداً ولا تستطيعين الصبر حتى وصول حزمتك الثمينة من الفرح، المستقبل لا يمكن أن يأتي قريباً بما فيه الكفاية وهو مليء بالسعادة حتماً، هو كذلك بالفعل.

لقد رأينا جميع المقالات التي لا تنتهي، التدوينات والأفلام الوثائقية عن صعوبات الأبوة والأمومة، بعضها مهم للغاية، والبعض الآخر تشوبه القليل من الدعابة؛ ليالي الأرق، دفع علاقتكما لنقطة الانكسار، الدورة اللانهائية من الحفاضات والتغذية - ولكن بعد ذلك يسير الأمر على نحو أفضل، دائما ما يسير على نحو أفضل - أليس كذلك؟

قد يتحرك طفلك أو يبتسم للمرة الأولى، وقد ينام خلال الليل أو يقول كلمته الأولى، حينها يختفي كل هذه الإجهاد ويطفو بعيداً ويصير ذكرى بعيدة، وينمو ليصير إنساناً صغيراً جميلاً، قد يكون دبقاً أو ذا شخصية مستقلة، قد لا تحظين بلحظة تذهبين فيها إلى دورة المياه وحيدة؛ لأنهم متشككون جداً فيما قد تنوين فعله، في نهاية المطاف تعيشين سعيدة منذ الحين الذي رأيتهم يكبرون ليصبحوا أطفالاً صغيرين جميلين يملكون شخصياتهم الخاصة الوقحة.

ولكن - ماذا عن كثير من الأسر التي لا تملك هذا الرفاهية؟ الأسر التي يكون أطفالها فقراء (فقراء حقاً)، الأسر التي تنتظر وتنتظر بفارغ الصبر متوقعة تحقّق هدف لن يحدث أبداً.

العائلات التي تقضي وقتاً أطول في المستشفى أكثر من منزلها عندما يتم احتجاز طفلها فيها بشكل متكرر جداً.العائلات التي انتظرت طويلاً ظهور هذه الشخصية العنيدة ولم تحظَ بلحظة تستطيع فيها الذهاب إلى الحمام منفردة.

نرى جميعاً أن الرضاعة الطبيعية يدافع عنها الجميع في كل مكان؛ الغذاء البديل يبدو وكأنه كلمة إهانة تقريباً في الوقت الحاضر. ولكن، ماذا عن الأطفال الذين ليس لديهم القدرة أو القوة لإطعام أنفسهم؟ الأطفال الذين يحتاجون إلى أنبوب أو حليب خاص؛ لأنها لا يكتسبون الوزن كما ينبغي.
هناك أطفال يعانون من ضعف البصر أو السمع، الذين لا يستطيعون دعم أنفسهم ويحتاجون في نهاية المطاف إلى مساعدات والرضع الذين يعانون من إعاقة نفسية ولا يمكنهم التواصل كما يرغبون، وللأسف، القائمة تطول.

ربما لا تأخذ هذه الأشياء بعين الاعتبار عندما يكون لديك طفل بصحة جيدة وأفترض لعدة أسباب أنه لن يكون. ومع ذلك، بعد أن كان العام الأكثر صعوبة في حياتي حتى الآن (ولو كان أفضل برغم من أني رحبت بطفلي الجميل في العالم) وجدت أنه لا يوجد الكثير من الدعم، مقالات ونصائح عن كيفية التعامل عندما لا تكون الحياة كما ظننت أنها ستكون.

الطريقة الوحيدة التي يمكن أن أصف بها الحصول على طفل لا يتمتع بصحة جيدة هي تدمير الروح، قلب مفجوع وعيون مفتوحة. عندما أقول صحة غير جيدة أعني ليست على ما يرام باستمرار.

هناك مشكلة، أو مشاكل عديدة أحياناً أو الظروف التي قد لا يكونون قادرين على التغلب عليها.

عليكِ أن تتأقلمي؛ لأنه لا وقت لديك لغير ذلك؛ فبعد كل شيء يحتاج الطفل إلى أُم. لكن الإرهاق والقلق سيغمرانك عاجلاً أم آجلاً. عندما تدركين ذلك سيتمكن منك حزن مدمر حتى وأنتِ تعلمين أن عليكِ الاستمرار، يجب عليك ذلك.

لا أحد يريد التفكير في احتمالات المرض أو أن تكون الحياة عكس ما تصور، إنها احتمالات مزعجة ومخيفة، إنها المجهول. ولكن ربما، نحن جميعاً بحاجة إلى اعتيادها قليلاً؛ لأنها شائعة أكثر بكثير مما نتعرض له، ومما نعتقد.

الصحة الجيدة حساسة جداً وهشّة، ولكن يبدو أننا نعتبرها أمراً مفروغاً منه حتى يحدث شيء يجعلنا ندرك فقط كم نحن محظوظون ومنعمون.

أنا متأكد أن رضيعي (وهو طفل الآن) ليس الأسوأ حالاً في العالم، لكنه بالتأكيد ليس الأفضل، وأنا أدرك أن الأمر كله عبارة عن قليل من العذاب والكآبة والحزن وليس أجمل موضوع في العالم، لكنه الموضوع الذي أشعر أن بإمكاني أن أناقشه علناً وبصراحة.


هذه المادة مترجمة عن النسخة البريطانية من "هاف بوست"، للاطلاع على المادة الأصلية من هنا



ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
Viewing all 6875 articles
Browse latest View live




Latest Images